حرب وجودية أم مصيرية.. الإيكونومست: الجيش الإسرائيلي عالق في حلقة الموت بغزة ونتنياهو يخوض حربًا بلا نهاية
عرّفت حكومة الاحتلال الحرب على غزّة منذ شنِّها في تشرين الأول/ أكتوبر بأنّها “حرب وجوديّة وحرب استقلال ثانية”. الأهداف الإسرائيليّة الرسميّة والعلنيّة للحرب كانت القضاء على قدرات حماس العسكريّة، ومنع نشوء أيّ تهديد عسكريّ من غزّة على إسرائيل في المستقبل.فيما بعد، أضيف إلى تلك الأهداف هدف تحرير الأَسرى والمخطوفين الإسرائيليّين لدى حماس.
وبعد مرور سبعة أشهر من الحرب على غزّة، تجد “إسرائيل” نفسها في أزمة إستراتيجيّة، إذ لم تحقِّق أيًّا من أهداف الحرب المعلَنة، ولم تحرّر الأسرى والمخطوفين، ولم تحسم الحرب، ولم تتمكّن من فرض شروطها لوقف إطلاق النار.
وفي مقالٍ أفردت له صفحتها الرئيسية، ترى مجلة Economist البريطانية، أن جيش الإسرائيلي، وبعد 8 أشهرٍ من القتال، لا يزال عالقًا في حلقة من الموت في غزة، فيما تستمر حركة حماس في إعادة سيطرتها وتغيير تكتيكاتها العسكرية بشكلٍ يستنزف قدرات الجيش، وذلك بتجنب الأولى المواجهة المباشرة واعتماد “حرب العصابات”.
واعتبرت المجلة البريطانية، أنه لن تكون هناك مواجهة مأساوية بين حماس والجيش الإسرائيلي في رفح، لأنها مثل أغلب الحركات الفدائية ستعمل على تفادي الدخول في صراع مباشر مع عدو أفضل منها من حيث العتاد والعدة.
وتقول المجلة البريطانية، إن حالة من الدراما أحاطت بالحملة العسكرية الإسرائيلية التي عاد الجيش الإسرائيلي ليشنها على مناطق مثل حي الزيتون أو جباليا بشمال غزة، والتي بدأت بالتزامن مع القتال في رفح. وحارب الجيش الإسرائيلي هناك العام الماضي، ثم عاد لشن هجوم استمر أسبوعين في فبراير/شباط، والآن يعود للمرة الثالثة، وربما ليست الأخيرة، ليصبح الجيش الإسرائيلي عالقاً في حلقة من الموت في غزة.
وقالت إيكونوميست إن الحديث عن مدينة رفح باعتبارها الملاذ الأخير لحماس مبالغ فيه، مشيرة إلى أنه بعد 8 أشهر من الحرب، ليس لدى إسرائيل أي خطة لمنع محاولات حماس إعادة السيطرة على أجزاء أخرى من غزة، كما أدى رفض نتنياهو الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب إلى قطيعة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وبشكل متزايد، مع جنرالاته بالجيش أيضا.
حرب عصابات في رفح وجباليا
وبحسب المجلة البريطانية، مع بدء الهجوم الإسرائيلي، يعتقد مسؤولو الجيش أن حماس قد نقلت بالفعل جزءاً من قواتها إلى أماكن أخرى. وسوف تترك كتيبة في رفح لمهاجمة جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن لن تكون هناك مواجهة دراماتيكية: فمثلها مثل أغلب حركات حرب العصابات، سوف ترغب حماس في تجنب الدخول في صراع مباشر مع عدو أفضل تسليحاً مع استنزاف الجيش الإسرائيلي.
وبدلاً من ذلك، فإنها تهاجم إسرائيل في أماكن أخرى أيضاً٬ وفي الأيام الأخيرة، قصفت حماس ممر نتساريم، وهو خط من المواقع الاستيطانية الإسرائيلية سابقاً٬ كان يمتد بعرض قطاع غزة؛ وأطلقت حماس الصواريخ على قاعدة عسكرية في كرم أبوسالم؛ وأطلقت وابلاً من الصواريخ على سديروت وعسقلان في جنوب إسرائيل٬ كما وجهت ضربات مميتة للجيش الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة٬ مما يعني أن الحركة لا تزال تتمتع بقوة ومرونة تكتيكية في أرض المعركة.
وتحاول كتائب القسام المحافظة على نقاط قوتها وتمركزها في شمال غزة٬ وصد الاختراقات الإسرائيلية المتعثرة في جبهات عديدة تحاول تطويق مناطق الشمال واختراق جباليا التي لا يزال بها نحو 200 ألف مدني يرفضون النزوح منها.
إسرائيل سوف تخوض حرباً بلا نهاية مع حماس
ومن جهة أخرى، تقول إيكونوميست، “يريد حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف إعادة بناء المستوطنات اليهودية التي قامت إسرائيل بتفكيكها في عام 2005. ورغم أن نتنياهو لا يشاركهم هذا الهدف، فإنه لا يريد أن يزعجهم من خلال الوعد بالسيطرة الفلسطينية على غزة. وبدلا من ذلك، سمح للمنطقة بالانتقال إلى الفوضى وتوريط الجيش في رمال غزة.
وقد تذمر الجنرالات الإسرائيليون بشأن هذا الأمر سراً لعدة أشهر. وفي مؤتمر صحفي عُقد في 14 أيار/مايو، سُئل دانييل هاغاري، المتحدث باسم الجيش، عما إذا كانت الهجمات المتكررة في شمال غزة هي نتيجة لفشل الحكومة في وضع خطط ما بعد الحرب. وقال: “ليس هناك شك في أن وجود بديل لحماس سيشكل ضغطاً عليها، لكن هذه مسألة تتعلق بالمستوى السياسي”. بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، بدت كلماته وكأنها توبيخ نادر لسياسة نتنياهو.
وقبل أيام، قال اللواء احتياط بجيش الاحتلال إسحق بريك إن الجيش الإسرائيلي لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس حتى لو طال أمد الحرب.
وشكك بريك في جدوى استمرار القتال في قطاع غزة، قائلا إن إسرائيل في حال استمرارها في الحرب ستتكبد خسائر جسيمة تتمثل في انهيار جيش الاحتياط الإسرائيلي خلال فترة وجيزة كما تشمل انهيار الاقتصاد، فضلا عن تدهور علاقاتها الدولية وتمزق مجتمعها من الداخل.
وقال أيضًا إن عدم اتخاذ قرار بشأن “اليوم التالي للحرب” سيؤدي إلى سقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد أن عاد للقتال في المناطق نفسها التي كان فيها من قبل.
وأشار بريك إلى أن دخول رفح جنوب قطاع غزة سيكون بمنزلة المسمار الأخير في نعش القدرة على إسقاط حركة حماس.
وفي ما يخص جبهة الشمال، قال إن الجيش الإسرائيلي غير قادر على إبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني والسماح لنحو 100 ألف نازح إسرائيلي بالعودة إلى منازلهم بالشمال بسبب استمرار التوتر.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعهد مرارا بتحقيق “نصر كامل” على حماس في غزة، حيث يواصل جيش الاحتلال للشهر الثامن على التوالي حربا مدمرة خلفت عشرات آلاف الشهداء والجرحى، أغلبهم نساء وأطفال، ومجاعة وأزمة إنسانية وصحية غير مسبوقة، وفق تقارير أممية ودولية.