سيظل إرثه حيًا في وجه الاحتلال.. كيف سطر القائد تاريخًا من البسالة والتضحية؟
بقلم: نجاح خاطر
منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، أطلق نتنياهو تهديداته بقتل قائد حركة حماس، يحيى السنوار، كهدف أساسي لخوض تلك الحرب الانتقامية لما خطط له جند القسام، الجناح العسكري للحركة، يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، من نصر عظيم حطّم فيه صورة الجيش الذي لا يقهر وهدم فيه أسطورة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم!
ورغم أن استشهاد ذلك الفارس الذي قُتل مقبلاً غير مدبر، حاملاً سلاحه، متحزماً بذخيرته، ومستعداً للقتال، كان محض صدفة، دون أدنى تخطيط من رجالات نتنياهو، إلا أن ذلك السفيه وأعوانه بادروا إلى انتهاز الخبر المفاجئ ليصنعوا منه مجدًا مزيفًا، لا يجب أن يمر إلا على أمثاله ممن لم تتضح بصيرتهم بعد أو لم تختمر لديهم الرؤية الجلية والحكمة السياسية.
لقد سارع الاحتلال بتصدير الرواية الإسرائيلية التي تمجد تمكن الجيش الإسرائيلي من اغتيال زعيم الحركة والمسؤول الأول عن طوفان الأقصى، يحيى السنوار، وكأنما كان لهم فضل في اكتشاف مكانه أو الوصول إليه أو حتى اغتياله. لكن الغباء أحيانًا يساق كجندي من جنود الله، حيث كشف عناصر الجيش بأنفسهم، عبر المسارعة بنشر صور “مقتل” القائد والرجل الأبرز الذي لطالما لاحقوه وفشلوا في الوصول إليه، ليثبتوا بذلك أنه استشهد في ميدان المعركة كباقي رجالات المقاومة من أبناء القسام، بينما كان يشتبك مع عناصر المشاة (لا الوحدات الخاصة ووحدات النخبة) من جيش الاحتلال، دون حتى أن يعرفوا أن هذا الباسل هو القائد يحيى السنوار، ذلك الرجل الذي كانوا يروجون لفكرة أنه كان متحصناً في أحد الأنفاق، خائفاً مستنكفاً عن القتال كما هو حال قادتهم الذين لا يتقنون إلا التهديدات وقتل النساء والأطفال والعزل.
نعم، قد يمنح استشهاد السنوار الاحتلال نصراً صورياً، لكن انتصاره هو عليهم يتجلى في الحال التي وجدوه عليها من إقبال لا إدبار، من شجاعة وبسالة، لا جبن ومهانة، ومن قتال ومحاربة في أرض المعركة، ممتشقًا سلاحه مثخناً في عدوه.
فقد استشهد السنوار في اشتباك مسلح في تل السلطان بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ولم يكن مختبئًا في نفق كما تروج الدعاية الإسرائيلية وكما كان يردد نتنياهو طيلة فترة الحرب.
لقد أثبت السنوار، باستشهاده، فشل المحتل الإسرائيلي على الصعيد الاستخباراتي والعسكري، ما حرم الجيش الإسرائيلي من الاحتفاء بلذة الانتصار الذي كان يتوق إليه باغتياله، وهو الذي كانت دولة الاحتلال تبرر العديد من عملياتها العسكرية في القطاع بحجة البحث عنه، باعتباره المسؤول عن السابع من أكتوبر وكونه الرجل المطلوب رقم واحد في الحركة.
لقد كان استشهاد السنوار مفاجئًا للعدو الصهيوني وقادته لدرجة أنهم ما كانوا ليتحققوا من هويته إلا عبر فحص الـDNA، وهو ما يثبت أن استشهاده لم يكن نتيجة تخطيط يُحسب لجيش الاحتلال ولا لمنظومته الاستخبارية.
ورغم الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها حركة حماس خلال أشهر قليلة، من استشهاد قائدها وزعيمها السنوار، ومن قبله قائد الحركة إسماعيل هنية، ومن قبلهما أيضًا القائد الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس الحركة، ولا ننسى الكثيرين ممن سبقوهم جميعًا من قادة الحركة، إلا أن السنوار اليوم سطّر بدمه مجد الحركة النابع من ديمومتها كفكرة لا تموت وإن مات قادتها. ها هو يثبت للعالم أجمع أن حماس وقادتها لا يسعون لدنيا ولا لحكم، بل لله، لا للسلطة ولا للجاه! وهم يثبتون بأرواحهم ودمائهم أن مبتغى الحركة ما هو إلا جهاد: نصر أو استشهاد.
ولا أرى من يحمل تلك العقيدة عصيًا على توليد القادة البواسل ممن يحملون الراية ويكملون المسير حتى تحقيق النصر ودحر المحتل الغاصب عن أرضنا ومقدساتنا. وإلى ذلك الحين، ستبقى الحركة تقدم الرجال، وإن مات منهم سيد، قام سيد!
رحم الله القادة وجمعهم في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.