معارك مواقع التواصل.. الجُهد المبذول والفائدة المرجوة
أدهم أبو سلمية
وأنت تتابع ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي من معارك طاحنة بسبب قضية محلية بسيطة هنا أو هناك، تُصاب أولاً بالذهول، ثم تتساءل عن الفائدة المرجوة من هذا النقاش المتواصل دون أن يُسلم أحدهم برأيي الأخر أو يُعدل من وجهة نظره، ثم تُصْدَم بكم الوقت المهدور من الشباب في قضايا ليست ذات أهمية أو أنها في حقيقتها لا تستحق كل هذا النقاش، ثم تصل لتساؤل ما هي النتيجة المرجوة من وراء ذلك، وهل ما يُناقش يستحق هذا الكم من النقاش؟!!
قضيتُ وقتاً ليس بالقصير من حياتي وأنا جزء من هذه الحالة، ثم وجدت نفسي أعزف عنها بعد أن ثبت لي أنها ليست ذات فائدة، وأننا إنما نكتُب لإثبات صوابية وجهة نظرنا دون اعتبار لوجهات النظر الأخرى، ثم رأيت النتيجة لكل هذا وكيف أن الكثير من النقاشات إنما تُوغر الصدور على بعضها لأن كل الأطراف لا تنظر للمسألة على أنها وجهات نظر تُحترم، بل الكل يتعصب لرأيه وكأنه مُقدس وثابت غير قابل للتأويل أو الخطأ، والأدهى أنك تُحاكم وتُصنف انطلاقا من وجهة نظرك، رغم أنها وجهة نظر غير مُقدسة وقابلة للتغيير والتراجع لو كانت غير صائبة، لكنه “الاغتيال المعنوي” والإشغال المُنظم في الصغائر لإبعاد التركيز عما هو أهم وأخطر. وأذكر هنا كلاماً رائعاً للكاتب فهد الأحمدي في مقال يقول فيه ” أن تقول رأيك وأقول رأيي فهذه تسمى “حريّة رأي”.. وأن تقول رأيك ولا تُريد أن تستمع لآراء غيرك فهذا يسمى “ضيق أفق”، وأن تقول رأيك وتمنع الآخرين من قول آرائهم فهذه “دكتاتورية” وطمس للحريات، ولكن أن تقول رأيك وتعتدي على من يعبر عن رأيه فهذه (ليست فقط جريمة وإرهابا) بل لوثة في العقل كونك وضعت نفسك في موضع “المقدس” الذي لا تجوز تخطئته ويمنح من يوافقه الجنة ولمن يخالفه النار!!!
مواقع التواصل الاجتماعي اليوم مشغولة بقضايا كثيرة، لكنك نادراً ما تجدها تنشغل بالهم العام، وبقضايا الوعي الجمعي حول قضيتنا المركزية “فلسطين”، ففي الوقت الذي ندعو الأمة للتركيز على قضيتنا على اعتبار أنها قضية كل مسلم في العالم، نجد أن أبناء الإسلام أنفسهم على أرض فلسطين غير مُنشغلين إلا نادراً في قضيتهم، وبدل أن نُوحد الجهود، ونضع الخطط، ونُشكل الفرق للعمل على توعية الأمة بقضيتها المركزية، نستنزف ذاتنا ونُبدد جهودنا في قضايا محلية يأخذ فيها النقاش ساعات وأيام، والنتيجة تتشكل الجماعات والفرق بناءً على المواقف المتشنجة، ونُحاكمُ بعضنا بناءً على وجهات النظر، فلا هذا الفريق يحترم ذاك، ولا ذلك الفريق يمرر وجهة نظر الآخر وهكذا، وكأنه مطلوب منك في مُختلف القضايا العامة منها والمحلية أن تكون إما صامتاً أو موافقاً، وهنا أعود لاستحضر كلاماً لـ فهد الأحمدي في ذات المقال وهو يقول: ” سادتي الأفاضل؛ اختلاف الآراء ظاهرة إنسانية قبلها الرسول صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام في مناسبات كثيرة، وقبلها بعده عمر بن الخطاب وقال “لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها” وزيد بن ثابت حين بعث إليه ابن العباس برسالة – حول مسألة في الميراث – جاء فيها: أين تجد في كتاب الله أن للأم ثلث ما تبقى؟ فرد عليه زيد دون تقريع أو حتى محاولة إثبات: إنما أنت رجل تقول برأيك وأنا رجل أقول برأيي”.. أتمنى فعلا أن لا يفسد الخلاف للود قضية ولكن هل نحن كذلك بالفعل؟ نحن أكثر شعب في العالم يكرر عبارة “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية” ولكننا في الحقيقة والواقع نفسد كل القضايا بالصراع والتجني واستعمال كافة الأسلحة الدنيئة – ومستحيل أن نتقبل الرأي المُخالف.. “
أختم بالقول.. لست في موقع المُنظر ولا يجوز لي ذلك، لكنها نصيحة لنفسي وإخواني وأبناء شعبي، فلسطين بحاجة لكل جهد، وبحاجة لكل بوست وتغريدة وصورة وكلمة وفيديو لنُعرف الناس عليها، ونجمعهم حولها، لسنا وحدنا في مواقع التواصل الاجتماعي، الناس تُراقب سلوكنا، ومنهم من يتأثر بنا سلباً أو إيجاباً، وعدونا يُغذي هذه النقاشات ليزيد من فرقتنا وتشتيت شملنا، ولإبعادنا عن همنا الكبير “فلسطين” وهو ما يستوجب منا أن نُراعي ذلك كرامةً لقضيتنا العادلة فلسطين.