ملفات ساخنة على طاولة اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة
تعتزم الفصائل الفلسطينية عقد حواراتٍ في العاصمة المصرية القاهرة، مطلع الأسبوع المقبل، تلبية لدعوة رسمية مصرية؛ لبحث عدد من الملفات السياسية والميدانية في الساحة الفلسطينية.
ولم يُحدد سقف زمني للحوار، إلا أن مسؤولين بالفصائل قالوا إنه سييُختتم حينما ينتهي بحث الملفات المطروحة، في مدة تتراوح بين يومين إلى أربعة أيام.
وسيضم الحوار، الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية، وأبرزها حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
وكانت صحيفة “الأهرام” المصرية (حكومية)، قد قالت إن دعواتٍ وُجهت الأسبوع الجاري، للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفلسطيني محمود عباس.
وأضافت أن الاجتماع سيناقش “الاتفاق على الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام، ووحدة الصف الفلسطيني، ووضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة”.
ويسود انقسام فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ الأحداث الداخلية التي أفضت لسيطرة حركة “حماس” على غزة صيف 2007، وذلك عقب الانفلات الأمني التي رافق نتائج الانتخابات التشريعية.
** أبرز الملفات
وقال مسؤولون بحركتي “فتح” و”حماس”، في أحاديث منفصلة لـ “الأناضول”، إن حوار القاهرة سيبحث عدداً من الملفات متعلقة بالشأن الداخلي الفلسطيني.
من جهتها، قالت “حماس” إن أبرز الملفات هو “ترتيب البيت الفلسطيني من خلال إصلاح منظمة التحرير”، في حين قالت “فتح” إن الفصائل ستبحث “إنهاء الانقسام، وإيجاد حالة شراكة وطنية، وتشكيل حكومة توافق من خلال الانتخابات”.
كما سيتم بحث تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، واستكمال مباحثات وقف إطلاق النار، والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في مدينة القدس المحتلّة.
وترصد “الأناضول” أبرز الملفات على طاولة المجتمعين في القاهرة:
أولاً: إنهاء الانقسام
شهدت الساحة الفلسطينية منذ منتصف عام 2007، انقساماً سياسياً وجغرافياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة عقب الأحداث الأمنية التي رافقت نتائج الانتخابات التشريعية.
وحاولت عدد من الدول العربية والإسلامية تقريب وجهات النظر بين الحركتين، وتوصلت لاتفاقيات عديدة بينهما على مدار السنوات الماضية، إلا أنها اصطدمت بجدار التنفيذ الفعلي، وظلت حبيسة التصريحات الإعلامية والمؤتمرات.
وقبل شهور، عقدت الحركتان حواراً في العاصمة المصرية، أفضى إلى الاتفاق على عقد الانتخابات العامة على عدة مراحل، تمهيداً لإجراء حوار وطني شامل استناداً إلى ما تفرزه نتائج الانتخابات.
وعلى إثر الاتفاق، أصدر الرئيس محمود عباس، مرسوما رئاسيا في يناير/ كانون ثاني الماضي، يقضي بإجراء الانتخابات العامة.
ووفق المرسوم كان من المقرر أن تجرى الانتخابات على 3 مراحل خلال العام الجاري: تشريعية (برلمانية) في 22 مايو/ أيار، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب.
لكنّ عباس قرر في 30 أبريل/ نيسان الماضي، تأجيل الانتخابات “لحين ضمان سماح سلطات الاحتلال الإسرائيلية مشاركة الفلسطينيين في القدس المحتلة بالانتخابات”.
وأثار التأجيل رفضاً فصائلياً وشعبياً فلسطينياً واسعاً، ما أعاد بالأمور إلى مربعها الأول.
ثانياً: إصلاح منظمة التحرير
يندرج ترتيب وإصلاح أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة “فتح” وإعادة هيكلة مؤسساتها، ضمن ملف كبير يشمل إنهاء الانقسام الداخلي وترتيب البيت الفلسطيني بشكل تام.
ومؤخراً، اعتبرت “حماس” إعادة ترتيب المنظمة أولوية قصوى تطغى على الملفات السياسية الداخلية كافة، رافضة الدعوات إلى بحث تشكيل حكومة توافق وطني.
بدوره، قال يحيى السنوار، زعيم حركة “حماس” بغزة، إن كل ما كان مطروحاً لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، ما قبل انتهاء المعركة الأخيرة (مع إسرائيل) في 21 مايو/ أيار الماضي، لم “يعد صالحاً اليوم”.
وأضاف أن “الحديث عن حكومات، واجتماعات، هدفها استهلاك المرحلة وحرق الوقت ليس مجدياً، ولن يكون مقبولاً لدينا”.
وتشترط “حماس”، لدخولها المنظمة، “إعادة ترتيبها وإصلاحها بشكل كامل، واعتماد برنامج وطني لها”، بينما ترى “فتح” أن من يريد دخول المنظمة يجب أن يوافق على برنامجها وقانونها الأساسي، وعلى اعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج”.
ثالثاً: تداعيات العدوان الإسرائيلي
في 13 أبريل الماضي، تفجرت الأوضاع في فلسطين جراء اعتداءات “وحشية” إسرائيلية بمدينة القدس، وامتد التصعيد إلى الضفة الغربية والمناطق العربية بالداخل المحتل، ثم تحول إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة، استمرت 11 يوماً.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزة عن 290 شهيدا، بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا، وأكثر من 8900 مصاب، مقابل مقتل 13 إسرائيليا وإصابة مئات، في اطار رد الفصائل على العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وتصدرت عدد من الملفات المتعلّقة بهذا العدوان الساحة الفلسطينية، أبرزها:
** ملف إعادة الإعمار
عقب انتهاء العدوان على غزة، تعهّدت عدد من الدول أبرزها مصر وقطر والكويت والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتقديم أموال لإعادة إعمار قطاع غزة.
وتجري حاليًا مفاوضات مع الاحتلال حول آلية الإعمار، إذ تشترط الأخيرة ربط الإعمار بملف جنودها الأسرى في غزة، ووجود رقابة على إدخال الأموال ومواد الإعمار، لضمان عدم وصولها لحركة “حماس”.
وترفض “حماس”، ربط إعادة الإعمار بملف تبادل الجنود الأسرى لديها، وترى أن كلا الملفيْن منفصليْن، وأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين لابد أن يكون مقابل إفراج الاحتلال عن أسرى فلسطينيين.
وتحتفظ “حماس” بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، بينما دخل الآخران غزة في ظروف غير واضحة خلال الشهور التي تلت الحرب.
وترفض الفصائل الفلسطينية أي آلية لإعادة الإعمار تحمل طابعاً أمنياً، من شأنها أن تعرقل العملية أو تماطل في تنفيذها على غرار “آلية روبرت سيري 2014”.
و”سيري”، هو المنسق الأممي الأسبق لعملية السلام في الشرق الأوسط (انتهت ولايته في 2015)، وتقضي الآلية التي أشرف عليها عقب الحرب، بإدخال مواد البناء بنظام معين بإشراف ورقابة إسرائيلية.
** تثبيت وقف إطلاق النار
يُجمع عديد الأطراف على أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في غزة، لا يزال “هشاً”، وأن الوضع الميداني قابل للانفجار في أي لحظة.
يأتي ذلك في ظل استمرار حالة التوتر في القدس، إثر استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في أحياء المدينة المحتلة، وعدم إجحام المستوطنين عن دعوات اقتحام المسجد الأقصى.
كما لم تتراجع إسرائيل على سياستها العقابية على سكان غزة التي فرضتها خلال العدوان من إغلاق للمعابر، واستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع.
والإثنين، حذّرت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بغزة، الاحتلال الإسرائيلي، من العودة إلى ما قبل 11 مايو/ أيار الماضي، قائلة إنها “تراقب عن كثب” سلوك “تل أبيب” في القدس.
ويرى مراقبون أن استمرار السياسات الإسرائيلية في القدس من شأنه أن يُجدّد المعركة بغزة.
** مواقف الفصائل
بدوره، قال حازم قاسم، متحدث حركة “حماس”، إن الموضوع الأساسي الذي ستناقشه الفصائل في القاهرة، هو “كيفية عكس حالة الوحدة الميدانية (التي نشأت مؤخرا خلال هبة القدس)، على وحدة الحالة الفلسطينية عموماً”.
وأضاف قاسم لـ”الأناضول”، أن الفصائل ستبحث “ترتيباً حقيقياً للبيت الفلسطيني، بشكل يضمن مشاركة كل القوى الفاعلة في النظام السياسي”.
وأوضح أن ذلك يتحقق من خلال “إصلاح جذري لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها مدخلاً لترتيب باقي الأوضاع السياسية، ويمكن الاتفاق فيها على إطار سياسي”.
واستكمل قائلاً: “المنظّمة تمثل شعبنا داخل فلسطين وخارجها، ونسعى لتشكيل حالة أوسع للوحدة الفلسطينية عبر انخراط كل قوى شعبنا، في الداخل والخارج، في الدفاع عن القدس”.
وجدد قاسم التأكيد على رفض حركته “الدخول بتفاصيل مجرّبة مسبقاً، مثل تشكيل الحكومات، وخلافه”.
من جهتها، أكدت حركة “فتح”، أن الفصائل الفلسطينية ستبحث في حوارات القاهرة “كل الملفات المتعلّقة بالشأن الفلسطيني داخلياً وخارجياً؛ من أجل الذهاب نحو شراكة وطنية”.
بدوره، قال حسين حمايل، القيادي في الحركة، للأناضول: “سنكمل المسير في إنهاء الانقسام، وإيجاد حالة شراكة في كافة الملفات، بما فيها تداعيات العدوان على غزة، والتهدئة، والاعتداءات في القدس”.
وبيّن أن الفصائل “ستبحث تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني، عبر المدخل الأساسي لها وهو الانتخابات”.
وعن إعادة ترتيب منظمة التحرير، قال حمايل إن “المنظمة ليست حكراً على أحد، وهي تشكّل مظلّة شرعية وحيدة للكل الفلسطيني”.
واشترط أن من يريد الدخول للمنظمة “سينضم إليها بناء على النظام والقانون الأساسي الذي حددته المنظّمة”.
** الفجوة كبيرة
وفي السياق، قال أسامة حسين، الباحث في الشأن السياسي الفلسطيني، للأناضول، إن فرص التوصل إلى اتفاق خلال حوارات القاهرة المُقبلة، حول إعادة ترتيب منظمة التحرير، “ضعيفة”.
وأرجع حسين ذلك، إلى “حجم الفجوة الكبير بين حركتي فتح وحماس، فيما يتعلق بترتيب البيت الفلسطيني، واختلاف البرامج بينهما”.
واستكمل: “منذ 2017 وبرعاية مصرية، ناورت الحركتان بشكل أكثر جدية عما سبق، في ملف إنهاء الانقسام، لكن لم يتم التوصّل إلى حلول”.
وأوضح أن هناك رغبة حقيقية لدى حماس “في استثمار الإنجاز الشعبي الذي حققته خلال المعركة الأخيرة، كونها ممثلاً للمقاومة، في صياغة موقف سياسي جديد حقيقي وفاعل”.
لكن العقبات ما تزال كبيرة أمام دخول الحركة لمنظمة التحرير، بحسب حسين، سيما في ظل “تشدد حركة فتح في الاشتراط على من يريد دخول المنظمة، قبول برنامجها”، وهو ما يعد مرفوضاً لدى “حماس”.
ويرى حسين أن المساعي لترتيب البيت الفلسطيني تأتي في ظل وجود “إرادة إقليمية ودولية لإحداث تغيير في قناعات صنّاع القرار في الفصائل الفلسطينية، يُفضي إلى مسار سياسي جديد لبلورة حل لإنهاء الانقسام”.