تركيا بالعربي

تراجع قيمة الليرة التركية.. نتاج معركة تكسير عظم أم سياسة خاطئة؟

يشهد سعر صرف العملة التركية تراجعا مقابل العملات العالمية الرئيسية تراجعا حادا في الفترة الأخيرة وسط تباين في آراء الخبراء حول الأسباب التي تقف وراء تقلبات الليرة في ظل الانتعاش والنمو المستمر للصادرات التركية.

وبلغت قيمة العملة التركية في إغلاق الجمعة 9.61 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، مسجلة أدى مستوى لها بتأثير من قرار البنك المركزي قبل يوم واحد بشأن خفض سعر الفائدة من 18% إلى 16%، وفقًا لخبراء.

وتشير تقارير إلى أن الليرة خسرت 20% من قيمتها هذا العام وجاء نصف هذا الهبوط منذ مطلع الشهر الماضي عندما بدأ المركزي إعطاء إشارات تيسيرية على الرغم من ارتفاع معدل التضخم.

ومساء الجمعة، أبقت وكالة “ستاندرد آند بورز”، التصنيف الائتماني لتركيا بالعملة الأجنبية عند “B+”، وبالعملة المحلية “الليرة” عند “BB-“، وأكدت في تقرير لها أن نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لتركيا “مستقرة”.

وأوضحت أن الانتعاش الكبير في الصادرات التركية، والأنشطة الاقتصادية داخل البلاد، ساهمت في مقاومة تبعات جائحة كورونا، معربة عن توقعاتها في تسجيل الاقتصاد التركي نموا بمعدل 8.6 بالمئة بنهاية العام الجاري. وتوقعت الوكالة تسجيل الاقتصاد التركي نموا بمعدل 3.3 بالمئة عام 2022، و3.1 بالمئة في كل من 2023 و2024.

وفيما يخص توقعات نسب البطالة في تركيا، أفاد التقرير أن النسبة لعام 2021 تبلغ 12.6 بالمئة، وأنه من المنتظر أن تنخفض إلى 12,2 بالمئة في 2022، وإلى 11.2 بالمئة في 2023. الوكالة توقعت أيضًا أن يسجل التضخم بنهاية العام الحالي 17.3 بالمئة، و12 بالمئة عام 2022، و9.5 بالمئة في 2023، و9.2 بالمئة في 2024.

معركة تكسير عظم مع لوبيات الفائدة أم خطأ في السياسات الإقتصادية؟

صدرت أول ليرة في عهد السلطان عبدالحميد عام 1843 وكانت من مصنوعة من الذهب وسميت الليرة الصفراء، وبعد تأسيس الجمهورية التركية الحديثه تم طباعة أول ليره تحمل صورة مصطفى كمال أتاتورك والأحرف العثمانية عام 1927.

‏لكن بعد الثورة التي قام بها أتاتورك على الأبجدية، ‏تم إستبدال الأحرف العربية بأحرف لاتينية وطبع عملات جديدة، وبعد وفاة أتاتورك قام خلفه عصمت أينونو بتغيير صورة أتاتورك ووضع صورته مكانها، ‏لكن الأمر لم يدم طويلا مع تولي عدنان مندريس الحكم، حيث أعاد صورة أتاتورك على العملة.

‏كما تمت إضافة صور شخصيات قيادية تركية عظيمة مثل محمد الفاتح ويونس إمره ومحمد أرسوي وجاهد إرف. وتعرضت الليرة التركية لإنتكاسة كبيرة وهبطت لأقصى مراحلها بسبب الحصار الإقتصادي الذي فرضه الغرب على تركيا بسبب حرب قبرص عام 1974 وبسبب أزمة النفط.

وبحسب سرد تاريخي حول العملة التركية نشره حساب ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التركي الراحل، الدكتور محمد جانبكلي، على موقع تويتر، فإنه في التسعينيات لأول مرة في تاريخ تركيا تمت طباعة ورقة نقدية من فئة مليون ريال، و5 مليون ريال، بل وصل لطباعة ورقة من فئة 20 مليون ريال.

لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم ومع النهضة الإقتصادية التي شهدتها تركيا تم حذف 6 أصفار من العملة في 2004، فأصبح 1 مليون يساوي ليرة، والمليار يساوي ألف ليرة، ‏والترليون يساوي مليون ليرة، وأصبحت قيمة الليره تساوي دولارواحد فقط.

في 2005 تم سحب كل العملات القديمة وإستبدالها بالعملة الجديدة التي تم تسميتها بـ”الليرة التركية الجديدة YTL”، وفي 2009 حذفت حكومة أردوغان كلمة “الجديدة” من الليرة ليصبح الاسم الليرة التركية.

بل ونظمت مسابقة لتصميم رمز لليرة، ‏فازت بها فتاه اسمها Tülay lale حيث صممت رمز الليرة بهذا الشكل “₺” وهو عباره عن جسرين يربطان بين الشرق والغرب ومرساه تمثل الثقة والارتفاع.‏ التصميم كان موافقًا لموقع تركيا الجغرافي ‏والمصادفة أنه رمز أيضا لأول حروف اسم المصممه وتم إختياره بين 8 آلاف تصميم.

سر التراجع الحاد

ووفقًا لما نشره حساب جانبكلي، فإن القصة بدأت عام 2018 عندما شهدت الليرة سقوطًا مدويًا قبيل انتخابات 2018 الرئاسية ببضعة أشهر بعد دخول تركيا كطرف في الأزمة الخليجية، وقالت الحكومة آنذاك إن سبب هبوط الليرة المفاجئ ‏كان حربا اقتصاديا قام به المضاربون على الليرة.

أي أن مجموعة من المضاربين قاموا بسحب أموالهم بوقت واحد من سوق تركيا غير مبالين بالخسائر، وكان هدفهم ضرب الليرة وإظهار حكومة أردوغان بمظهر العاجز في التحكم بأسعار الصرف، ووالهدف الحقيقي من وراء ذلك إسقاط الحكومة في الانتخابات لأن الإقتصاد فقط هو من يحرك الناخب التركي.

أردوغان في برنامجة الانتخابي 2018 أيضا قام بتحدي لوبي الفائدة وقال إنه سيقوم بخفض سعر الفائدة بل وقام بتعيين براق البيرق وزيرا للمالية‏ في وقت كان يتوقع فيه لوبي الفائدة بعودة محمد شيمشك للحكومة الجديدة، ‏وعندما سعى أردوغان لخفض سعر الفائدة ‏سقطت العملة بشكل مدوي.

‏وقام لوبي المال بحرب كبيرة انتصر فيها على الليرة وعلى سياسات أردوغان لتضطر حكومة أردوغان لرفع سعر الفائدة مجددا. وهناك أيضًا تأثير للسياسات الخارجية للحكومة التركية وخصوصا عملياتها في سوريا وشرق المتوسط والصدام مع الولايات المتحده وأوروبا.

ومن العوامل المؤثرة أيضًا: تدخل أردوغان في البنك المركزي، ووالإقالات المتكررة لمحافظي البنك وتعيين قافجي أوغلو محافظا للبنك المركزي والذي يؤمن تماما بنظرية أردوغان بشأن خفض سعر الفائدة.

هذا فضلًا عن أزمة وباء كورونا وتأثيرها السلبي على الاقتصاد التركي، وتقارير شركات التصنيف الإئتماني التي بالرغم من الإنتاج الزراعي الضخم وزيادة الصادرات التركية ووجود 6 من أكبر عشر مشاريع عالمية ‏و125 مليار$ من احتياطي البنك المركزي و550 طن من الذهب، ‏يكفي أن يخرج تقرير واحد من إحدى شركات الإئتمان الإمريكية يقول إن الإئتمان في تركيا تراجع تقييمه ليطير الدولار.

تغيرات البنك المركزي

تأسس البنك المركزي التركي بعد إعلان جمهورية تركيا بعدة سنوات كشركة تجارية، ‏والغريب في الأمر أن حصة الدولة كانت فقط 15% وبقيت الحصة على هذا الحال حتى بداية السبعينات 1971 و‏عندما رفعت الحكومة حصة الدولة إلى 50% وبعد قدوم حزب العدالة إلى الحكم رُُفعت حصة الدولة إلى 58% وبقيت نسبة  42% للقطاع الخاص 

لكن توجد مشكلة في إدارة البنك المركزي فالشريك الغير حكومي، ‏يسعى الى الربح الخاص على حساب الوطن والمواطن
‏ ويضغط على المدير كي يرفع الفائدة وسر إقالة محافظي البنك المتواصل، ‏هو أ المحافظين السابقين رفضوا خفض سعر الفائدة في الوقت الذي تحسن فيه الاداء الاقتصادي وانخفض التضخم إلى نسبة أقل بكثير من قيمة الفائدة.

أردوغان كان يرى بقاء الفائدة العالية مع انخفاض التضخم هو ربح اضافي للبنك المركزي، أي ربح للشركاء في البنك المركزي على حساب رجال الاعمال‏ والمصانع وغيره، أي على حساب المواطن التركي.

‏”البنك المركزي لأي دولة هو رمز السيادة الاقتصادية”

‏” أردوغان فتح جبهه للمواجهه مع أخطر ملف قد واجهته حكومته منذ 2018. في المرة الأولى خسر المعركة وكاد أن يسقط. ‏فهل تسلم الجرة! وجهة نظر أردوغان هي أن رفع الفائدة يعني نقل الأموال من المصانع والمشاريع إلى البنوك لأن الأرباح مغرية هناك.

‏ولأن تمويل البنوك فيه حصة كبيرة لأمريكا فهذا يعني أن مؤسسات الاستثمار المالي الأمريكية هي التي تجني الأرباح، وبمجرد أن يفتح أردوغان فمه بخفض الفائدة حتى يطير الدولار. من وجهة نظر أردوغان أيضًا أن رفع الفائدة في بلد ما سيؤدي حتما إلى كارثة إقتصادية مستقبلا لأن هذا سيلغي الطبقة المتوسطة ويسحبها إلى الطبقة الفقيرة. وقد تجد الدولة نفسها مضطرة لإلغاء برامج التطوير والتنمية والمشاريع الكبرى.

صحيح أن إنخفاض سعر العمله هو مفيد لبلد صناعي ومصدر مثل تركيا، لكن الإرتفاع يصاحبه تضخم وإرتفاع في الأسعار، ومع ثبات نسبة الحد الأدنى من الأجور ‏يتضرر المواطن التركي بشكل كبير وبالتالي هذا الأمر يؤثر على اختياراته السياسية ‏ولهذا السبب تطالب المعارضة بانتخابات مبكرة

وأخيرا: قد تلجأ الحكومة التركية إلى خطة التعامل خارج اطار الدولار مع بعض الدول، ‏خصوصا بعد اتفاقها مع إيران وروسيا على ذلك وقبل أيام مع كوريا الجنوبية ‏للتخلص من ضغط الدولار. لكن يبقى السؤال حول من سينتصر في النهاية؛ حكومة أردوغان أم لوبي الفائدة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى