حد السيف
محمود مرداوي
العدو لا يستطيع العمل بدون معلومات، وأهميتها تنبع من حجم خطورة المقاومة التي تواجهه، ينفق كل ما لديه من إمكانات دون قيود للحصول على المعلومات بطرق شتى تكنولوجية وبشرية بعيداً عن تعريض أشخاص صهاينة للخطر ، لكن عندما يصل الخطر مبلغه ويتعذر عليه الحصول على المعلومات إلا من خلال المخاطرة بالوحدات المختارة المختصة لا يتردد يفعل، يجازف بثمن احتمالية وقوع خطر متوقع لإزالة خطر محقق .
الوحدة التي تعمل خلف الخطوط ومن أجل هذه المهمات تُسمى (سييرت متكال) تابعة لهيئة الأركان مباشرة، تشرف عليها شعبة الاستخبارات العسكرية .
هذه الوحدة وُجدت حتى لا تُعرف ، تسمع ولا تُسمع، ترى ولا تُشاهد .
كل عملها وخططها تحت ستار الظلام اسمها جوالة الليل، قيمتها بقدرتها على تنفيذ أخطر وأصعب وأدق المهمات، لديها تراكم خبرة عقود وميزانيات مفتوحة بلا قيود، الصناعات العسكرية والأمنية تُكيف أدواتها لكل مهمة بما تحتاجه من أسلحة وذخائر وأدوات تعمل بصبر وبطول نفس، لا تخرج إلا وقد أحكمت خططها وهيأت كل شروط النجاح ، عندما تعمل الوحدة بشكل مباشر ومن خلال ضباطها وجنودها تتعقد المهمة ويحتاج الإعداد لمضاعفة زمن التحضير، على مستوى الأشخاص من خلال القدرة على التعايش في الوسط الذي سيعملون فيه ، حيث اللغة وإتقانها والثقافة ومعرفتها، والإحاطة بالمكان بشخوصه ورموزه
كل هذا التراكم والإعداد والإنفاق لم يتمثل إعجازا أمام إضاءات الانتماء ووهج اليقظة والانتباه والالتصاق بالهدف والإصرار على تحقيق المهمة لدى رجال ا.لمقا.و.مة الميامين.
لم تستهن الوحدة قبل عامين بقدرات ا.لمقا.و.مة مطلقا، إنما رفعت من استعدادها و كفاءتها وافترضت أنها أجابت على كل التساؤلات المحتملة والتحديات المتوقعة على يقين تحقيق النجاح لضرورة المهمة على الرغم من خطورتها، فأن ترى وتسمع ما يجري في غرف السيطرة والقيادة يسيل اللعاب، لكن كل هذه الحسابات الدقيقة والجريئة لم تُسقط فرضية أن تقع الوحدة في أيدي حماة الثغور لدى ا.لمقا.و.مة .
في النظرة الأولى لل.ش.هي.د نور بركة انتهت تحضيرات الوحدة بكل تفاصيلها ، وتحيدت التجربة بتراكم خبراتها، وفشلت المهمة.
وقع صراع بين عقلين، عقل تقيده الأعراف الدينية والصلاحيات التنفيذية ، يبالغ في التحقق حتى لا يخطئ ويسيء ، وعقل آخر أدرك أن العملية قد فشلت على مستوى سييرت متكال، وانتقل إلى الخطة البديلة للانسحاب وعملية الإنقاذ على مستوى دولة الاحتلال بما تملك من مقدرات .
في صراع الأدمغة ا.لش.ه.يد نور كان يتحسب في كل لحظة من أن يسيء لعائلة ويجد نفسه في المكان الذي لا يتمنى أن يُسجل ويُحسب عليه، في قلبه وحدسه يرى أشخاصاً ليسوا عاديين، وفي عقله قيود الصلاحيات والاعتبارات، هم مطلعون على خطة ا.ل.ش.هيد نور من خلال تعامله المتحفظ والمقيد معهم ، ونور محجوب عنه خططهم البديلة، وفي اللحظات التاريخية الفارقة الثانية تعني قصةً تاريخ، حياة وموت ومصير بكل تفاصيله المؤلمة .
كانت القوة تريد أن ترى بأعين ال.ق.سا.م وتسمع بأذنيه وهو لا يعلم من خلال أجهزة التنصت التي حاولت أن تزرعها ، وما يسلط الضوء على قيمة هذه المهمة وحيويتها النتائج النهائية لحالة الصدام الذهني بين فريق يعمل بين أبناء شعبه ويعمل لحمايته ويسعى لتحقيق أمانيه، يحرص على عدم خدش مروءته وثقافته،لكن يغيب عنه نوايا من يقفوا أمامه!
وبين فريق يعمل لصالح احتلاله في وسط معاد له لا يتورع عن قتله وإيذائه ، يعرف ما يريد تحقيقه في الأولى التي فشلت من خلال وضع أجهزة تنصت والثانية من خلال الانسحاب.
وهنا وقع الفرق ما بين حسبتين ، حسبة واضحة محددة مرسمة مهيأ لها كل الإمكانات العسكرية الجوية والبرية وبإسناد البحرية ، وما بين حسبة ما أن حيدت كل القيود والمحاذير كانت تتعامل مع مشهد محدد تدير معركة مفصولة منقطعة، بينما كان اجتماع في الكيان لكل قادة الجيش والشاباك والموساد يديرون المعركة في مواجهة نور ورفاقه ، يملكون ما يملكون الأرض بتفاصيلها على شاشة ، وعلى مدار أربعين دقيقة تُرسم الخطط وتُنقل القوات على الأرض وفي الجو وفي البحر.
إن قرار إدخال سييرت متكال إلى قطاع غزة كان إيذاناً من العدو بأن الخطر الذي يتكون في القطاع خطر لا يُحتمل، تهون معه التضحيات الجسام ، وإن حسابات العدو مهما بلغت لا تستطيع قراءة ومعرفة قدرات ومؤهلات وإمكانات ا.لمقا.و.مة وا.لق.س.ام .
لقد صرح في حينه الناطق باسم الجيش على غير عادته نفي أن هدف العملية الاغتيال بعكس ما جرت عليه العادة تأكيد الهدف من العملية .
لقد مثلت عملية حد السيف من كشف هذه القوة وحرق كل عناصرها وقتل نائب مسؤولها وجرح قائدها ومن ثم استكمال الهزيمة وكي الوعي عندما أدى رد ا.لمقا.و.مة لاستقالة ليبرمان وتحوُل نتنياهو من شخص مجمع عليه في كل الاستطلاعات أنه حامي الحمى إلى شخص يوازي في وزنه أي قائد صهيوني آخر، بل نفتالي بينت يتفوق عليه في بعض الاستطلاعات والحكومات من يومها حتى الآن تترنح.
لقد سقطت صورة وحدة سييرت متكال، وتزعزعت الثقة لدى ضباطها وجنودها ، واستقال رئيسها،وتكشفت كل طرق عملهم وتراكم خبراتهم ، وتمكن الق س ام من زرع وعي إيجابي موثوق في عقل كل عربي وفلسطيني أن العدو يُقهر ولن يمثل يوماً سوبر مان في الحقيقة، ولم يكن الجيش الذي لا يقهر.
فقيم النصر تولد قيماً لنصر جديد ، وتقتل قيم الهزيمة التي رافقت وهماً وتضليلا للشعوب في المنطقة .
زمن الحروب بدون معارك ولى، وزمن المعارك بدون قتال ولى، والقتال بدون قتلى ولى، والهزيمة مصير حتمي للمحتلين، لكن المعركة مفتوحة، معركة عقول وأدمغة لن يتراجع العدو عن مساعيه للحصول على المعلومات بطرق شتى وأساليب أخرى،والمقا.ومة له بالمرصاد يقظة تطور من أدواتها وخبراتها ، وإن غدا لناظره قريب .