طوفان الكلمةمقالات

حين يتوقف القلب خوفًا… فتياتٌ لم يحتملن ضجيج الموت

إيمان سلمي – غزة

في غزة، لا تقتل الحرب الأجساد فقط، بل تخنق الأرواح وتصيب القلوب قبل أن تلامسها الشظايا.
هناك، حيث السماء لا تمنح المطر بل تمطر نارًا، وحيث الطفولة تُنتزع قبل أن تتفتح، تصبح دقات القلب رهينةً لصوت الطائرات والصواريخ.

تعودنا أن نحصي الشهداء بالجثث، أن نقيس الألم بعدد البيوت المهدّمة، أن نختصر الفقد في أرقام باردة،
لكن هناك رحيلٌ لا تسبقه دماء، ولا صرخات…
هناك قلوبٌ تُكسر من الداخل حتى تتوقف.

في أماكن أخرى من العالم، يموت الناس من أمراض القلب بسبب التقدم في السن، أو بعد صراعٍ مع المرض،
أما في غزة، فتموت القلوب من الخوف؛
تموت من صوت الصواريخ، ومن لحظات الذعر التي تجعل النبضات تتسارع حتى تتوقف فجأة.
هنا، القلوب ليست مجرد عضلات تضخ الدم، بل صناديق صغيرة تخزن الخوف، والقهر، والصراخ المكتوم،
وحين تفيض بما لا تطيق، تفعل ما لا تستطيع الكلمات وصفه:
تتوقف فجأة، بصمت، وكأنها تُعلن الهزيمة أمام الموت القادم من السماء.

مريم صالح، شابة لم تتجاوز السادسة والعشرين، رقيقة كنسمة البحر، لطيفة كابتسامة طفل، كانت أمًا لثلاثة أطفال.
قلبها كان مليئًا بالحب، لكنه لم يتحمّل وطأة الرعب.
في ليلة مشؤومة، حين اشتد القصف على حيّها في منطقة النفق، تجمد الزمن للحظات، ثم توقف قلبها إلى الأبد.
لم تُصبها شظية، ولم تهدم عليها الجدران،
لكن الخوف كان أسرع من أي قذيفة، وأشد فتكًا من أي انفجار.
حاول الأطباء إنعاشها، لكنها كانت قد غادرت.
وصلت المستشفى جثةً هامدة، تاركة خلفها ثلاثة أطفال؛
منهم رضيع لم يتعدَّ عمره عامًا، يبحث عن حضنها في الفراغ،
وطفلتان توأم تبحثان عن طيفها.

أما الصحفية هيا مرتجى، الصبية ذات الـ 21 عامًا،
فقلبها توقف لمدة عشرين دقيقة، بينما كان القصف يحيط بها من كل جانب.
خيمتها لم تكن حصنًا، بل هدفًا، ومحيطها كان موتًا يتربص بالجميع.
نجا زوجها وطفلتاها، شام ومريم،
لكن قلبها المُرهق من الخوف لم يتحمل.
كان يكفي صوت الغارات كي تنسحب روحها من بين ضلوعها،
كأن قلبها قرر أن ينجو من هذه الحرب بطريقته الخاصة: بالتوقف.
ظلت تصارع من أجل الحياة في العناية المكثفة شهرًا،
حتى قرر قلبها التوقف نهائيًا،
فالحرب لا تليق به، ولم يعد يحتمل ضجيجها أبدًا.
رحلت شاكية إلى الله خذلان الجميع.

ما يحدث في غزة ليس مجرد أرقام وإحصائيات،
بل قصص حقيقية تُحفَر في الذاكرة.
لا تحتاج القذائف دائمًا إلى إصابة الهدف لتقتل،
فـالخوف وحده كفيل بأن يسلب الأرواح.

هناك مريم وهيا، اللواتي ودّعن أطفالهن دون وداع،
وهناك مئاتٌ مثلهن،
ينتظرن مصيرًا قد يكون مشابهًا.

تُرى، كم من قلبٍ سيتوقف قبل أن تتوقف هذه الإبادة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى