خبراء وسياسيون يدقون ناقوس الخطر نتيجة الهجمات المتزايدة على القدس والأقصى
قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية، الشيخ حميد الأحمر، الأربعاء، إن نظرة سريعة إلى الواقع في القدس تبين مساعي الاحتلال الحثيثة لإفراغ المدينة من أهلها، ومن وسائل ذلك سياسة الهدم التي تطال منازل المقدسيين ومنشآتهم ومصادر رزقهم، والذريعة هي البناء من دون ترخيص”.
جاء ذلك خلال فعاليات ورشة العمل السياسية التي تنظمها مؤسسة القدس الدولية في إسطنبول، تحت عنوان (المسجد الأقصى المبارك 2020 – 2021: هل يستمر مفجرا للصراع؟).
وأضاف الشيخ حميد الأحمر: ” ولعل الأمر المضحك المبكي هنا هو أن “إسرائيل” التي تغتصب الأرض وتحتلها هي ذاتها من تجعل من نفسها سلطة مخولة إصدار تراخيص البناء لأهل الأرض أنفسهم، ومع ذلك تسرف في شروط إصدار الرّخص وتضيق في إصدارها لتضع المقدسيين بين حدين: البناء من دون ترخيص، أو عدم البناء وما يعنيه ذلك من الاضطرار لترك القدس بحثا عن بيت ومسكن”.
وواصل الشيخ الأحمر حديثه متناولا المحاولات “الإسرائيلية” المتواصلة لتهجير المقدسيين من أرضهم، بهدف إحلال المستوطنين مكان المقدسيين، وتوفير بنى تحتية للمستوطنات، وإنشاء حدائق توارتية، إذ يبرز حي الشيخ جراح في وسط تلك الأحياء التي يتم استهدافها حاليا، وقال الشيخ الأحمر في هذا السياق: ” يبرز هنا في مقدمة الأحياء المهدّدة بالتهجير أحياء بلدة سلوان حامية الأقصى الجنوبية، إضافة إلى حي الشيخ جراح إلى الشمال من البلدة القديمة”.
وأضاف الشيخ حميد الأحمر: “بعد الصمود الذي أبداه أهالي حي الشيخ جراح في رمضان الماضي والتفاف المقدسيين وأهالي الداخل المحتل حولهم أُجبرت محكمة الاحتلال على تأجيل البت في قرار التهجير، ولا تزال تحاول إقناع الأهالي بأن يوافقوا على ما يسمّى (تسوية) تجعل منهم مستأجرين محميّين، مع ما يعنيه ذلك من انتزاع اعتراف منهم أنّ الأرض يملكها المستوطنون”.
وعرج الأحمر في كلمته على ما يجري اليوم في المقبرة اليوسفية، بالقرب من المدخل الشمالي للبلدة القديمة للقدس، قائلا: ” لايقف الأمر عند تهجير الأحياء، بل يصل إلى الأموات الذين يلاحقهم الاحتلال لينبش قبورههم يبعثر رفاتهم من دون أيّ وازع أو رادع، ولا شكّ في أنّكم تابعتم الاعتداء الهمجي المتصاعد على مقبرة اليوسفية التي تقوم به سلطات الاحتلال منذ سنوات بهدف تحويل المكان إلى حديقة تلمودية ضمن مسار التهويد الذي تعتنقه وتهتدي به”.
وتحدث الشيخ حميد الأحمر في مستهل كلمته عن تصاعد العدوان “الإسرائيلي” تجاه المسجد الأقصى، وسط الصمت العربي، وانزلاق العديد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وقال الأحمر: ” لقد نقل الاحتلال، ومنظمات المعبد، اقتحاماتِ الأقصى إلى مرحلة جديدة عنوانها فرض الطقوس التوراتية في المسجد أو التأسيس المعنوي للمعبد، فشهد موسم الأعياد التوراتية الأخير ممارسة هذه الطقوس في المسجد بدءًا من النفخ بالبوق”.
وأضاف الشيخ الأحمر: “ثم جاء قرار محكمة الصلح الاحتلالية الذي قال إنّ الصّلوات الصامتة لليهود في المسجد أمر متاح لا يشكّل مخالفة قانونية، وهو الأمر الذي أيدته المحكمة المركزية، وسرعان ما استغلّته منظمات المعبد لتحثّ أنصارها على مزيد من الاقتحامات”.
وختم الشيخ حميد الأحمر كلمته مستعرضا المشاهد التي تثبت أنّ بالإمكان كسر قتامة المشهد من هبات وانتصارات شعبية مقدسية، في السنوات الأخيرة في هبّة القدس وانتفاضة السكاكين، وفي هبة باب الأسباط، وفي هبة باب الرحمة، كما في هبة باب العمود وفي التصدي لمخططات التهجير في حي الشيخ جراح، وفي منع اقتحام الأقصى يوم 28 رمضان للاحتفال باستكمال احتلال القدس.
وقال الشيخ الأحمر: ” فإذا بإرادة جماهير القدس ومعركة سيف القدس تحولان المناسبة إلى انتكاسة للمستوطنين ولسلطات الاحتلال التي أُجبرت على الانكفاء، وعلى إعادة النظر في عودة الاقتحامات وحجم العدوان خوفًا من تداعيات الرد”.
واستدرك الشيخ حميد الأحمر قائلا: ” لكن ذلك لا يعفينا من المسؤولية، بل بالعكس تماما، هو يؤكد ضرورة أن نشاطر أهل القدس المسؤولية، وأن نتحمّل معهم عبء الدفاع عن القدس والأرض والمقدسات، لا أن نتركهم يخوضون لجج المواجهة وحدهم، فالقدس ميراث الأمّة، والأقصى أمانتنا، كما هي كنيسة القيامة، وما من مبرّر للتراخي والخذلان”.
وعقب كلمة رئيس مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية، تحدث أمين المنبر، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، الشيخ عكرمة صبري، والذي بدأها بتحية المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المبارك، والقدس المحتلة، وقال الشيخ عكرمة صبري: “نعم إنّ الأقصى سيفجر الوضع، ما دام الاحتلال يستهدفه، ولا يزال الاحتلال يستهدف الأقصى، وبخطى سريعة، وكان آخر هذا الاستهداف قرار محكمة الاحتلال بالسماح لليهود بالصلاة في باحاته، فيما يعرف بـ (الصلاة الصامتة)”.
وأضاف الشيخ صبري: “والسؤال هنا، لماذا لجأت منظمات المعبد إلى محاكم الاحتلال لاستصدار مثل هكذا قرار، على الرغم من قدرتهم على أداء (الصلوات الصامتة) بشكلٍ سري؟ إنّ جواب ذلك يتمثل في أنّ تلك المنظمات تريد تثبيت مبدأ (صلاة اليهود الصامتة) في المسجد الأقصى، لينتقلوا بعد ذلك إلى (الصلاة العلنية)، ومن ثم إلى بناء (كنيس يهودي) في الساحات الشرقية للمسجد الأقصى”.
وأشار الشيخ عكرمة صبري إلى أن الأطماع “الإسرائيلية” في المسجد الأقصى معلنة، وهي لا تخفى على أحد، وعلى العرب والمسلمين أن يدركوا ذلك، وقال الشيخ صبري: “لا يجوز أن يترك المقدسيون وحدهم في الميدان، فالأقصى جزءٌ معلوم من عقيدتنا كمسلمين، فالأقصى هو الذي يربط ملياري مسلم بفلسطين، وعليه فإن الأقصى هو البؤرة، وهو المحور، لذلك فيجب على المسلمين أن يعطوا مكانةً له، لأنّ الاحتلال يريد أن يقطع علاقة المسلمين بالمسجد الأقصى”.
وأكد الشيخ عكرمة صبري عل أن جميع المسلمين، حكاما ومحكومين، مسؤولين عن حماية المسجد الأقصى والمبارك، وبيت المقدس، وفلسطين، مؤكدا على وحدة دلالة المفاهيم الثلاثة في الإسلام فبيت المقدس، والمسجد الأقصى وفلسطين، وحدةٌ واحدة، كما دلت آيات القرآن الكريم والسنة النبوية.
وختم الشيخ صبري كلمته قائلا: “نسأل الله الحماية للأقصى، والله مع العاملين، وليس مع القوّالين، (وقال اعملوا فيسرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
وواصل الحديث بعد الشيخ عكرمة صبري، رئيس المؤتمر العربي العام، الذي أكد على ضرورة مثل هكذا ورش سياسية في هذا الظرف الذي يتعرض خلاله المسجد الأقصى لأخطارٍ متعددة، وقال السفياني: “إنّ العدو الصهيوني، ومن معه من عملائه في المنطقة يحاولون بمختلف الوسائل أن يهودوا المسجد الأقصى، وهذا ما رأيناه خلال خطواتٍ متلاحقة تهدف للاستيلاء على الأقصى، وإقامه (المعبد) المزعوم مكانه”.
وأضاف قائلا: “رأينا كيف تطورت الأمور من الدعوة إلى تطبيق التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، إلى أحكام قضائية صهيونية تعطي الحق للصهاينة بأداء صلواتهم في الأقصى”.
وأشار خالد السفياني إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل في ذات الوقت على تهجير المقدسيين من ديارهم، وقال السفياني: “وما حي الشيخ جراح إلا واحدا من النماذج التي تؤشر إلى أن التهجير يستهدف العديد من الأحياء والبلدات المقدسية”.
وتحدث السفياني في كلمته عن تكامل مخططات التهويد والتهجير والتنكيل “الإسرائيلية” تجاه القدس والأقصى، والتي تطرح على أبناء الأمة سؤال العمل، وكيف من الممكن دعم صمود المقدسيين والفلسطينيين، وإعانتهم على مواصلة الصمود والمواجهة، وقال خالد السفياني: “يجب علينا وضع الخطة الكفيلة لمواجهة هذا المخططات، ومن جملة الخطة، مواجهة المطبعين والتطبيع، في بلداننا العربية والإسلامية، والعمل على محاصرة الكيان الصهيوني”.
وأضاف السفياني: “نعم إنّ هناك من يظن أن الكيان الصهيوني قادر على حمايته، ولكن من لا يستطيع حماية نفسه لا يمكن له أن يحمي أحدا، وقد رأينا أن كل المعارك الأخيرة كان فيها النصر للمقاومة”.
وتابع السفياني: “علينا أن نتدارس في هذا اللقاء كيف يمكن أن نقاوم، كيف يمكن أن ننخرط في معركة تحرير فلسطين، كل فلسطين، كيف يمكن أن نحمي أرضنا وشعبنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية للورشة تحدث الدكتور ياسين أقطاي، مستشار رئاسة الجمهورية التركية، والذي بدأ كلمته بالتأكيد على أن العمل للمسجد الأقصى، إنما هو تزكيةٌ لنفوس المسلمين، مؤكدا على عقدية واستمرارية علاقة المسلمين بالأقصى.
وقال أقطاي: “إن المسجد الأقصى قضية ليست متاحة للتفاوض لدى المسلمين، وهو جزء من هوية وثقافة المسلمين”.
وأكد الدكتور أقطاي أنّ القدس تعطي الأمة درساً في ضرورة وحدة الأمة واعتصامهم بدينهم، فقد ارتبط سقوط الدولة العثمانية بسقوط القدس تحت الاستقلال، وبعد تفكك الروابط بين الشعوب الإسلامية، كان أول اجتماع للمسلمين بعد سقوط الخلافة في منظمة التعاون الإسلامي، عقب حريق المسجد الأقصى، في العام 1969، وطالب أقطاي في كلمته بأن تكون منظمة التعاون الإسلاميصوت الأمة المدافع عن الأقصى.
وقال أقطاي: “إن المسجد الأقصى مظلة واسعة تجمع كافة أطياف الأمة الإسلامية، من سنة وشيعة، وبلدان إسلامية مختلفة، فهو أمانة الأنبياء لنبي الإسلام، محمد، صلى الله عليه، وسلم”.
وتابع أقطاي: “إن هناك فجوة بين الشعوب الإسلامية المستعدة لتقديم الأرواح من أجل الأقصى، وبين الأنظمة المتقاعسة عن نصرته، فأملنا في الشعوب الإسلامية كبير، ولكن لا بد من تنسيق الجهود للدفاع عن المسجد الأقصى”.
وفي سياق الحديث عن الدور التركي تجاه المسجد الأقصى، أكد الدكتور ياسين أقطاي على أن تركيا حكومة وشعبا، تقف إلى جانب المرابطين في المسجد الأقصى بالأقوال والأفعال، وقال أقطاي: “أسست تركيا ودعمت العديد من المؤسسات التي تدعم أهل القدس ليصمدوا في وجه مخططات التهيجر الإسرائيلية، استقبلت وما زالت أبرز الشخصيات المدافعة عن المسجد الأقصى وأسهمت في إيصال صوتهم للعالم بأسره”.