طوفان الكلمةمقالات

غزة بين هلالي العيد والهدنة: قصة صمود وتحدٍ

وردة رضوان – غزة

مضى شهر رمضان المبارك لعام 2025، وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لا تزال مستمرة في قطاع غزة. وبينما كانت المساجد تصدح بأذان السحور، كانت نساء غزة يستيقظن لإشعال النار وتحضير وجبة السحور البسيطة، المحصورة غالبًا في الفول والحمص والفلافل، نتيجة إغلاق المعابر والحصار المطبق منذ زمن بعيد.

وفجأة، وبلا سابق إنذار، بدأ طيران الاحتلال الصهيوني يقصف بشكل متزامن من رفح جنوبًا وحتى بيت حانون شمالًا، وفي عملية عسكرية دموية، ارتقى أكثر من 450 شهيدًا، جلّهم من النساء والأطفال، بينهم عائلات كاملة تم محوها من السجل المدني. وكالعادة، بزغ الفجر ونحن نلملم أشلاءنا من تحت أنقاض الخيام المقصوفة والمحروقة، أشرقت الشمس وشهداؤنا لا يزالون تحت الركام.

منذ ذلك اليوم وحتى الآن، ما زال الشهداء يرتقون، والجرحى يسقطون، والمنازل والخيام تُقصف بلا هوادة. لا أعلم كيف أصف لكم هذه اللحظات! فنحن في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، صباحًا ندفن شهداءنا، وظهرًا نزور جرحانا، وبعد الظهر نعدّ الكعك والمعمول ونخبزه على أفران الطين، وقبيل أذان المغرب نحضّر وجبة الإفطار بالنار نفسها، وعلى وقع كل هذا، نستمع لتكبيرات العيد تصدح من مخيمات الإيواء، بينما العم “يحيى” يجهز المراجيح للأطفال.

هنا غزة… نستقبل عيد الفطر السعيد على أصوات القذائف، وتحت وابل الصواريخ، ولكننا نجاهد الحزن ونردد تكبيرات العيد، ونعظّم شعائر الله. يشهد الله أن الحزن يدمينا، ولم يبقَ في العيون دمع يُسقى، فبأي حالٍ جئت يا عيد؟!

نحن أصحاب الكيمياء التي لم يفكّ العالم شيفرتها بعد، فكل من زار غزة قال للإعلام: “نتعجّب من يقينهم، وعقيدتهم، وصبرهم، وصمودهم، واحتسابهم… فكيف هم كذلك؟”. وأنا أقول: غزة تكتب ملاحم العزة على صفحات التاريخ، غزة تفرح ودموع الحزن تملأ مقلتيها، تكبر وقلبها ينطق بالشهادة… “أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”.

والآن، وقد ثبت هلال عيد الفطر، ولم يثبت هلال الهدنة، ورغم الألم والجراح، سنحتفل بالعيد. سيلبس أطفالنا ما توفر من ثياب، وسنصلي جماعة في الساحات، وسنزور قبور الشهداء، ونوزّع الكعك والمعمول، ونُؤنس جرحانا تحت نيران الحرب. لن نلتفت إلى بيانات الإدانة والشجب والتضامن التي تصدر تباعًا من عواصم العرب، فقد فشلوا جميعًا في وقف الحرب، بل حتى في فتح المعابر لدخول الدواء والغذاء.

رسالتي إلى أحرار العالم:
أوقفوا المجازر، أوقفوا هذه الحرب الظالمة على غزة. لم نعد نحتمل، ونحن صائمون، قائمون، بالله موحدون، مسلّمون أمرنا لله، واثقون بحكمه، نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. خيارنا اليوم هو الموت، لا لأننا نطلبه، بل لأنه بات الخيار الوحيد. نحن نحب الحياة، ولكن لم تبقَ فيها مقومات تُعاش.

رسالتي إلى العرب:
نريد خطوات عملية تُرى وتُلمس على الأرض، متى نكون كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟

رسالتي إلى نساء غزة:
يا غاليات، يا صابرات، يا موقنات بفرج الله وجبره، لا تُسدّ الطرق أمام من أيقن أن عند الله المخارج. اصبرن وصابرن ورابطن، فإن الأمر كله بيد الله، من قبل ومن بعد.

نسأل الله أن يرفع الغمة، ويوقف الحرب، ويمنّ علينا بعودة الحياة، ولو بالحد الأدنى. فنحن على أرض الرباط ما حيينا، ولن يقتلعنا أحد. سنبقى على موعد قريب مع الحرية، والعودة، والتحرير، ففلسطين وطننا، والقدس عاصمتنا، والنصر وعدنا، كما قال تعالى: “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”.

وأخيرًا، وبمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، أتقدّم بأسمى آيات التهاني والتبريكات لأمتنا الإسلامية، راجية من الله أن يعيده علينا وعليكم بالخير واليُمن والبركات.

وفي هذه الأيام المباركة، نتضرع إلى الله:
اللهم فرّج الكرب، وارفع البلاء، واجبر خواطرنا، واحفظنا بحفظك، وانصرنا على من ظلمنا.

عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى