مقالات

لماذا لا نملك شيئاً في القدس؟

طه كلينتش

تقع الزاوية الهندية في مدينة القدس داخل السور جنوب باب الساهرة، وهو أحد المداخل الشمالية لأسوار مدينة القدس، كما أنه بداية الطريق الموصل إلى الحي الإسلامي، إذا أردتم الوصول إلى الزاوية الهندية فعليكم أن تعبروا السور ثم تنعطفوا يساراً وتكملوا طريقكم مروراً بالمحلات التجارية إلى أن تجدوا أنفسكم في قلب القدس القديمة ذات الشوارع الضيقة المتداخلة، ومن هناك عليكم صعود الدرج الواقع يمين باب الساهرة حتى تصلوا إلى باب حديد أخضر، هذا الباب هو مدخل الزاوية الهندية.

في كل مرة أزور فيها القدس كنت أمر بالزاوية الهندية وأتساءل في نفسي: ماذا يوجد في الداخل يا ترى؟ وقد زاد من فضولي أيضاً وجود العلم الهندي المُلصق على جانبي المدخل الرئيسي والنقش الإنجليزي-العربي-الهندي “بدعم من وزارة الشؤون الخارجية الهندية – نيودلهي”.

وأخيرًا، في يوم السبت الماضي سنحت لي الفرصة لرؤية هذا المكان والتعرف على التاريخ المخفي المدون على الجدران، وذاك بفضل دعوة عشاء رائعة نظمها أصدقاؤنا الذين يعيشون في القدس في الزاوية الهندية.

كيف تأسست الزاوية الهندية؟

في النصف الأول من القرن الثالث عشر قدم العالم الصوفي الهندي بابا فريد شكركنج المنتسب إلى طريقة جشتية إلى مدينة القدس، واعتكف في غرفة حجرية تحت الأرض بجوار مسجد، قرب باب الساهرة. ومنذ ذلك الحين أصبحت غرفته مزارا للحجيج الهنود في طريق ذهابهم أو عودتهم من أداء فريضة الحج, وأطلق عليها الزاوية الهندية أو الفريدية نسبة لمؤسسها الصوفي بابا فريد، وقد قام الهنود فيما بعد بتوسعة المكان حتى أصبح مجمعاً ضخماً.

وفي الفترة الأخيرة للدولة العثمانية خلت الزاوية من المشايخ المسؤولين عن رعايتها وتم إهمالاها حتى عام 1924 فتم إحياؤها مجدداً بجهود الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى آنذاك.

أرسل الحاج أمين وفداً إلى مسلمي الهند أرسل معنه رسالة يطلب فيها من الحكومة الهندية إرسال شخص يتولى رعاية الزاوية وإدارة شؤونها. فوقع الاختيار على الشيخ ناظر حسن الأنصاري عام 1927 ليتولى رعاية الزاوية، وما إن وصل الشيخ ناظر إلى القدس حتى شمر عن سواعده وبدأ على الفور في إعادة إحياء الزاوية، وفي العام التالي تزوج من سيدة من القدس، وتولّى إدارة شؤون الزاوية حتى عام 1952 ، فاستلم مكانه ابنه الأكبر محمد منير بك بعد هذا التاريخ.

وفي عام 1948 خلال الحرب العربية الإسرائيلية تعرضت الزاوية لأضرار جسيمة، وفي عام 1967 ومع احتلال إسرائيل القدس سقطت 25 قذيفة على الزاوية ودُمّر قسم كبير منها، لكن أبنيتها ظلت صامدة ولم تنهار، وإثر ذلك القصف استشهدت والدة محمد منير أنصاري وشقيقته وابن أخيه البالغ من العمر عامين تحت الأنقاض، بينما أصيب محمد منير بحروق في وجهه ويديه، ومنذ ذلك الحين بقيت الزاوية مدمرة ومهجورةً حتى تم إعمارها لاحقاً عام 1991 بتدخل من الحكومة الهندية.

حاليا تشغل عيادة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين )الأونروا) جزءا من الزاوية، كما أن الزاوية الآن تفتح أبوابها للسياح الهنود وتوفر لبعضهم المبيت، ويستقبل زائرها فناء واسع تحيط به العديد من الأشجار المثمرة، وتتوزع حول الفناء غرف لمبيت الزوار ومطبخ، بالإضافة إلى مسجد الزاوية التاريخي وغرفة الصوفي بابا فريد شكركنجر ـ الذي يعتقد أنه اعتكف فيها أربعين يوماًـ ، ومكتبة ومعرض للصور اللذان يعتبران كنزاً ثميناً يحتضن صورا تاريخية وحديثة لشخصيات فلسطينية وهندية بارزة مرّت على الزاوية، ولا تزال هناك وثائق هامة في الغرفة المتواضعة تكشف عن روابط متينة بين الهنود المسلمين والقدس بحاجة إلى كشف ودراسة.

أثناء رحلتي إلى القدس وعندما كنت في الزاوية الهندية كان هناك سؤال يدور في ذهني: لماذا لا تمتلك تركيا أرضاً أو بناءً في القدس؟ لماذا ليس لها شيء خاص بها هناك؟

قد تتفاجؤون من السؤال، لكني أقول: نعم، في القدس التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية لمدة 401 عامًا، اليوم لا يوجد فيها أثر واحد ينتمي إلى الجمهورية التركية، دائمًا ما يتم تأجير المباني التي تقيم فيها مؤسساتنا التي تمثل دولتنا هناك، هذا غير مقبول ، لكننا مع الأسف نعيش هذا الواقع المرير في القدس.

إنني أناشد المسؤولين وأصحاب السلطة : دعونا من كل ما فات علينا ألا نضيع المزيد من الوقت، يجب أن نجد حلاً لهذه المسألة في أقرب وقت ممكن، فلا يمكن أن يكون لنا كلمة في الميدان وأن نكون أصحاب رأي ما دمنا في القدس مستأجرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى