تركيا بالعربي

ماذا الذي نعرفه عن ظاهرة الصمغ البحري التي تهاجم السواحل التركية، ومخاطر انتقالها لبقية دول المنطقة؟

باتت الظاهرة التي تُعرف باسم مخاط البحر أو الصمغ البحري تهدد صناعة السياحة والصيد والموانئ في بحر مرمرة الذي يصل إلى إسطنبول كبرى مدن تركيا بمنطقة بحر إيجة ومنها للبحر المتوسط، وهي ظاهرة يمكن أن تمتد لمناطق أخرى بالعالم، خاصة في منطقة البحر المتوسط، حسبما يقول العلماء.

فخلال الأشهر الماضية غُطيت المياه المحيطة بإسطنبول بمادة طافية، أحياناً تكون كريمية أو مخاطية، يبدو الأمر من الأعلى رومانسيًا تقريبًا، مثل الغيوم التي تُلمح من الفضاء، ولكن عن قرب تظهر مشكلة تبدأ من الروائح الكريهة لصعوبة الإبحار، إضافة إلى المخاطر على الحياة البحرية.

لماذا أصبح بحر مرمرة التركي مليئاً بمادة الصمغ البحري؟

مخاط البحر أو الصمغ البحري ظاهرة معروفة وتكررت من قبل، حسبما ورد في تقرير لموقع the Atlantic الأمريكي.

يقول مايكل ستاتشوفيتش، عالم البيئة البحرية بجامعة فيينا: “الصمغ البحري موجود في كل مكان، فلا يوجد كائن بحري لا ينتج المخاط، من الحلزون المتواضع إلى الأسماك اللزجة”.

ولكن في الظروف الطبيعة، لا يتراكم الصمغ البحري بشكل كبير.

 ويمكن إلقاء اللوم في تفشي الصمغ البحري الحالي بتركيا على العوالق النباتية، وهي نوع من الكائنات الدقيقة، خاصةً الطحالب المعروفة باسم الدياتومات التي تنتج أجزاء صغيرة من المخاط، تتحول إلى رقائق من الثلج البحري. 

عندما تتلقى هذه العوالق النباتية فيضاً من العناصر الغذائية غير المتوازنة من جريان الأسمدة أو مياه الصرف الصحي غير المعالجة، فإنها تفرز المخاط، تتراكم حبيبات هذا المخاط في خيوط، تتجمع في شكل كتل تشبه السحب، وهي التي تتراكم الآن على ساحل تركيا.https://www.youtube.com/embed/YrJtLPGJfw0?feature=oembed&enablejsapi=1

لكن التلوث وحده لا يفسر ظهور كثير من مخاط البحر أو الصمغ البحري بهذا الشكل، فالظروف المناخية لها دور.

يتطلب هذا القدر الكبير من الصمغ البحري ظروفًا مناخية محددة: طقساً حارًا وهادئًا. في فصلي الربيع والصيف، حيث ترفع الشمس درجة حرارة الطبقة العليا من مياه البحر، تاركةً تحتها طبقة من الماء البارد الأكثر كثافة. (تلعب الملوحة أيضًا دورًا، حيث ستغرق المياه المالحة الأكثر كثافة تحت المياه العذبة). 

وهذا يبدو أنه ما يحدث في بحر مرمرة، فهناك طبقة دافئة في أعلى مياه البحر، وهي أيضًا منخفضة جدًا في الملوحة، حيث تبلغ نحو 2.2%. ثم هناك طبقة أكثر برودة وملوحة تحتها، تبلغ ملوحتها نحو 3.8%. لذا، إذا كان الطقس دافئًا حقًا، وحصلت على كثير من المدخلات من العناصر الغذائية، مثل مياه الصرف الصحي التي يتحدثون عنها في تقارير الصحف، فإنها تؤدي إلى ازدهار العوالق النباتية، وتصبح كثيفة حقًا، حسبما ذكرت العالمة أليس ألدرديج لموقع The Scientist.

وبسبب هذا التدرج بين المياه الدافئة القليلة ذات الملوحة الأقل إلى المياه الأبرد والكثيفة، يغرق المخاط إلى أن يبدأ في الطفو، وكلما طالت مدة بقائه، زاد تراكمه. 

لماذا يخرح من الأعماق ويطفو على السطح؟

تبدأ البكتيريا المحبوسة في المخاط بالنهاية في أكله وهضمه، مما يخلق فقاعات هواء تطفو في النهاية لتخلق ما يوصف ورقة البحر على السطح. 

ودون رياح قوية أو عواصف، لا شيء يخلق اضطراباً لتحريك المياه وتمزيق الصمغ البحري.

في البحر الأدرياتيكي المتفرع من  البحر المتوسط المجاور لإيطاليا، وقعت حالات أدت إلى أن يجف المخاط العائم ويصبح قاسيًا من حرارة الشمس، لدرجة أن طيور النورس تمشي عليه، حسبما ورد في موقع the Atlantic.

ظاهرة تعود لمئات السنين، ولكنها مركزة في البحر المتوسط

إنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها المخاط البحري على طول الساحل التركي، كما أن هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها في المنطقة، ولكن وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، يُعتقد أن ما يحدث بتركيا أسوأ انتشار للصمع البحري في التاريخ.

ظهرت فاشيات واسعة من الصمغ البحري عشرات المرات في البحر الأدرياتيكي على مدى القرون الثلاثة الماضية، ربما لأن جغرافية هذه المنطقة ورياحها الهادئة تهيئ الظروف المثالية لتكوين صفائح كبيرة. كانت لمخاط البحر عواقب اقتصادية كبيرة هناك، كما حدث من قبل في بحر مرمرة عام 2007.

الظاهرة التي تُعرف باسم مخاط البحر أو الصمغ البحري
الظاهرة تكررت من قبل في مناطق أخرى بالبحر المتوسط/رويترز

وغلف مخاط البحر أجزاء من البحر الأبيض المتوسط عدة مرات في السنوات الأخيرة. في مارس/آذار 2007، أفاد فريق من العلماء، بقيادة العالم الإيطالي روبرتو دانوفارو، بأنه أفسد أكثر من 1550 ميلاً من الساحل الإيطالي، وظلت التجمعات حول المنطقة لمدة خمسة أشهر.

ينقل تقرير the Atlantic عن ميشيل جياني، عالمة المحيطات في المعهد الوطني لعلوم المحيطات والجيوفيزياء التطبيقية بإيطاليا: “المشاكل الرئيسية هي مصايد الأسماك والسياحة. لا يمكن للقوارب الذهاب إلى البحر على الإطلاق، لأن المخاط يسد مدخل مياه البحر الذي يبرد المحرك. إذ يمكن أن ينهار المحرك في غضون دقيقة، وتصبح شباك الصيد لزجة وثقيلة. والسائحون، بالطبع لا يريدون أن تكون لهم علاقة بهذه الفوضى”. 

ومما يزيد الأمر سوءاً أن مخاط البحر يتحلل على السطح، ولذا فإن رائحته يمكن أن تصبح كريهة جدًا أيضًا.

هل تنتقل هذه الظاهرة لبقية دول المنطقة؟

يبدو أن هذه الظواهر تتزايد بالبحر الأبيض المتوسط، حيث كانت في السابق موجودة في الأساس بالبحر الأدرياتيكي، في المنطقة المحيطة بصقلية، وكذلك بعض الحالات حول كورسيكا والحدود الإيطالية الفرنسية. فليست تركيا وحدها التي تعاني من هذا فقط.

وجد فريق روبرتو دانوفارو، العالم بجامعة البوليتكنيك الإيطالية، أن بعض الحالات السيئة- المخاط الذي انتشر كثيرًا وتعلق أطول فترة- تزامنت مع درجات حرارة مياه أعلى من المتوسط،.

وكتب الفريق: “في ضوء اتجاه الاحترار بالبحر الأبيض المتوسط، يمكن أن تزداد ظاهرة الصمغ البحري في المستقبل”.

ولكن الملاحظ أن التقارير تتحدث دوماً عن انتشاره في دول شمال حوض البحر المتوسط وليس جنوبه(الدول العربية).

مخاطر هذه الظاهرة وأضرارها

مثل المخاط الذي يتم إطلاقه من أنف الإنسان، يمكن أن تنبعث رائحة كريهة من مخاط البحر، وجد العلماء أنه إضافة إلى تثبيط السباحين وردع الصيد، يمكن أن تكون المادة اللزجة مشكلة للشعاب المرجانية حيث تحرمها من الأوكسجين.

كما أن هذه المادة تغرق في النهاية وتخنق الكائنات الحية الموجودة في القاع تمامًا. فهي تقتل الشعاب المرجانية، والأسماك، وكل القشريات الموجودة هناك، وذوات الصدفتين، إنها تقتل كل شيء تقريبًا، لأنه لا يوجد ما يكفي من الأوكسجين.

ولذا قررت تركيا ضخ الأوكسجين في بحر مرمرة؛ لمحاربة الصمغ البحري إلى عمق 30 مترًا (98 قدمًا) في خمسة مواقع مختلفة من البحر غير الساحلي.

والهدف من ذلك هو تقليل تأثير مخاط البحر فيما يتعلق بتوافر مستويات الأوكسجين للأسماك والمخلوقات والنباتات البحرية الأخرى.

ما الذي يمكن فعله لمواجهة هذه المشكلة؟

تقول العالمة أليس ألدرديج: “يمكن أن يحاولوا تقشير الصمغ البحري بعيدًا عن السطح”.

وتضيف: “على ما أعتقد. وأتذكر لا أعرف مدى نجاحهم، لكن الإيطاليين، في مرحلة ما، تحدثوا عن محاولة الاستفادة من الصمغ البحري. اصنع منه شيئًا: بلاستيك أو أي شيء آخر”، لكن بخلاف ذلك، عليك فقط أن تنتظر نوعًا ما حتى تتحلل.

وتقول: “كما أن تقليل كمية العناصر الغذائية التي تدخل الماء هناك (عبر تقليل عملية التخلص من الصرف الصحي في البحر)، يمكن أن يساعد كثيراً. لكن ربما لم يستطع إيقافه تمامًا، لأن هذه الظاهرة موجودة في البحر الأدرياتيكي إلى أوائل القرن التاسع عشر، عندما كان التلوث قليلًا نسبياً”. 

بينما يرى موقع The Atlantic أنه للتعامل مع جذور المشكلة، سيتعين على تركيا منع مياه الصرف الصحي غير المعالجة والجريان السطحي من دخول بحر مرمرة في المقام الأول. هذا بالتأكيد لن يطهر البحر هذا الصيف. لكن الأدلة الواردة من إيطاليا تشير إلى أن مثل هذه الجهود قد تقضي على المشكلة على المدى الطويل، حيث تلاشى انتشار الصمغ البحري في البحر الأدرياتيكي منذ أن بدأت إيطاليا تنظيف مياه الصرف الصحي التي تتدفق فيه، لقد عاد البحر إلى ما يبدو كأنه طبيعي أكثر صحة وأقل لزوجة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى