مقالات

حماس والاستحقاق الانتخابي “سيناريوهات المشاركة”

أدهم ابو سلمية

لم تتضح بعد شكل المشاركة الانتخابية للفصائل الفلسطينية، والعين ترقب باهتمام سلوك حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كونها الفاعل الأبرز في الساحة السياسية الفلسطينية أمام حركة فتح التي تستحوذ على القرار السياسي الفلسطيني، ومما لا شك فيه أن الانتخابات القادمة ستكون محط أنظار العالم واهتمامه لأسباب داخلية وإقليمية عديدة، فهي تأتي بعد سنوات من الانقسام السياسي الحاد الذي أصاب المجتمع الفلسطيني في أعقاب رفض حركة فتح الاعتراف بنتائج انتخابات عام 2006م وما أعقبها من إجراءات، كما أن هذه الانتخابات تأتي بعد حصار خانق استهدف قطاع غزة وفي القلب منه حركة حماس بهدف فض الناس عنها والتأثير على شعبيتها وكسر خيار المقاومة الذي تعزز رغم هذا الحصار، وتطور بفضل الحاضنة الشعبية.

وفي الإقليم ستكون هذه الانتخابات موضع اهتمام كبير فهي تأتي في أوج حالة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وأنظمة التطبيع تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في حصار المقاومة الفلسطينية وتجفيف منابعها.

كما أن هذه الانتخابات ستُقدم مؤشراً على مدى الالتفاف الجماهيري حول ما يُسمى إعلامياً باسم “الإسلام السياسي” الذي تعرض لاستهداف مباشر خلال السنوات الماضية، ونجاحه أو فشله في فلسطين سيكون له انعكاسات في الإقليم بلا شك. كما أن هذه الانتخابات ستكون محط اهتمام الكيان الصهيوني الذي لا يُعد مراقباً للمشهد وإنما فاعلاً فيه، فهو الذي عطَّل عمل المجلس التشريعي من خلال اعتقال النواب وملاحقتهم.


وأمام هذا المشهد يبرز السؤال حول شكل مشاركة حماس في الانتخابات القادمة وتحديداً “المجلس التشريعي” وهل ستذهب الحركة نحو قائمة حمساوية أم ستدعم قائمة من الكفاءات الوطنية والمستقلين أم أنها ستكون ضمن قائمة وطنية مشتركة مع باقي الفصائل الفلسطينية؟


والإجابة على هذا السؤال قبل أن تحسم حماس موقفها يبدو صعباً، لأن الحركة جعلت كل خياراتها مفتوحة في هذا الاتجاه، لكن بالعودة قليلاً للوراء نستطيع أن نُقدم تصوراً حول الشكل الأفضل بالنسبة لحماس وذلك بقراءة سلوكها السياسي والميداني خلال السنوات الأربعة الماضية.

فالحركة عملت خلال السنوات الماضية على تكريس مفهوم الوحدة الوطنية والعمل المشترك من خلال جمع المقاومة المسلحة فيما يُعرف “بالغرفة المشتركة”، ونجحت في جمع الفصائل نحو خيار “مسيرات العودة وكسر الحصار” باعتبارها خياراً وطنياً جامعاً، وعملت على فرض حضور الفصائل الفلسطينية في مختلف اللقاءات والحوارات مع الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني وتحديداً مصر وقطر، وساهمت الحركة في تعزيز حاضنتها الشعبية عبر ترسيخ علاقات متينة مع العائلات الفلسطينية في قطاع غزة على وجه التحديد، ولعبت دوراً فاعلاً في ترسيخ الحوار الفلسطيني – الفلسطيني في لبنان وتجنيب المخيمات الكثير من متاعب التحولات السياسية داخله، وعزز ذلك زيارة رئيس الحركة إسماعيل هنية الأخيرة للبنان وحرصه على اللقاء بكل الفصائل الفلسطينية واللبنانية لجسر الهوة وبناء تفاهمات تحافظ على الوجود الفلسطيني هناك.

هذا السلوك الحمساوي مضافاً إليه التصريحات الصادرة عن قيادة الحركة خلال الفترة الماضية يُعطي مؤشراً عن رغبة حماس في تشكيل قائمة وطنية تجمع الكل الوطني الفلسطيني، وهذه القائمة لو حدثت ستُنهي حالة التفرد وستخفف من حدة الاستقطاب الداخلي وستكون عاملاً مساعداً في تهيئة الأجواء للمراحل التالية من الاستحقاق الانتخابي، كما يمكن لها أن تلعب دوراً في نزع المبررات الصهيونية لاستهداف الانتخابات أو التضييق عليها، وستحفظ لكل الفصائل حقهم في المشاركة الفاعلة في البرلمان وبالتالي في القرار الوطني الفلسطيني.


لكن الطريق نحو تشكيل قائمة وطنية موحدة لا تبدو سهلة بسبب عوامل ذاتية وتأثيرات إقليمية، فحالة الانقسام الداخلي في حركة فتح وعدم قدرة الحركة على توحيد قرارها حتى اللحظة لا يُعطي مؤشرات مشجعة، كما أن الضغوط الإقليمية التي تحرص على إبعاد حماس عن المشهد السياسي الفلسطيني حاضرة، ولا يعلم أحد قُدرة الرئيس عباس على مواجهتها، وهو ما يعني أن الخيارات الأخرى مطروحة وممكنة سواءً كانت قائمة حمساوية أو دعم قائمة مستقلين وهذا الأمر سيتضح خلال الأيام القادمة.

وأياً كانت شكل المشاركة الحمساوية أو الفصائل الأخرى في هذه الانتخابات، فإن إجراءها بعد سنوات من الانقسام هو قرار جيد، لأن الأسوأ من عدم تغيير الواقع الحالي وحالة الجمود في الحالة السياسية الراهنة هو قبول الاستمرار فيها، فالقضية الفلسطينية مرت خلال السنوات الماضية وما زالت بمخاطر استراتيجية تتطلب من الجميع مرونة أكبر في العلاقات الداخلية لإعادة بناء المنظومة السياسية، واستعادة روح المقاومة في كل الأراضي الفلسطينية على طريق التحرير وإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين وحرية الأسرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى