مقالات

ما الذي أدى لتدهور قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية؟

محمد أبو عليان -باحث اقتصادي

كان 2021 عاماً كارثياً بالنسبة لليرة التركية والتي تُعدُّ الأسوأ أداءً بين عملات الأسواق الناشئة خلال هذا العام، حيث فقدت حوالي 65% من قيمتها منذ بداية العام، مسجلةً مستوىً قياسياً جديداً حيث شهدت الليرة تدهوراً دراماتيكياً خلال نوفمبر أدى إلى فقدانها حوالي 30% من قيمتها من بداية نوفمبر وحوالي 17% خلال الأسبوع الثالث من نوفمبر فقط. شهدت التذبذبات القوية والعنيفة لليرة مؤخراً تخطيها لعتبة 13 ليرة أمام الدولار الأمريكي قبل تراجعها قليلاً للتذبذب بين مستويات 11 و12 ليرة للدولار. وهي مستويات مرتفعة كثيراً عن توقعات البنك المركزي التركي لليرة في نهاية الشهر الجاري 9.80 ليرة للدولار وفي نهاية العام الجاري 9.97 ليرة للدولار. جاء هذا التدهور الأخير لليرة بعد حديث الرئيس أردوغان عن استمرار تخفيض الفائدة وتعهده بذلك والذي أسمها “حرب الاستقلال الاقتصادي”.

ويمكننا القول بأن ما يحدث في سعر الصرف هو إنعكاس لما يحدث في الاقتصاد أي العوامل المؤثرة على سعر الصرف وخصوصاً المؤشرات الاقتصادية والمالية الكلية بالإضافة للتطورات السياسية. فتدهور الليرة ناتج بشكل أساسي عن زيادة المعروض منها في مقابل زيادة الطلب على العملة الأجنبية أي الدولار في السوق التركية. وفيما يلي أبرز العوامل المؤثرة على ذلك بشكل مختصر:

  1. العجز المزمن في الميزان التجاري: حيث بلغ حوالي 37.8 مليار دولار في عام 2020، وبلغ حوالي 32.35 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2021.
  2. ضغط المديونية الخارجية: تشير البيانات إلى أن الدين الخارجي بلغ 446.4 مليار دولار حتى نهاية الربع الثاني من 2021 (يمثل حوالي 58.3% من حجم الناتج المحلي)، حوالي 124.9 مليار دولار دين قصير الأجل أي يستحق في 12 شهر فأقل (يمثل حوالي 17.5% من الناتج). وبحسب وكالة Bloomberg خلال شهري نوفمبر وديسمبر هناك حوالي 13 مليار دولار دين خارجي يتعين على القطاعين العام والخاص سدادها.
  3. زيادة الكتلة النقدية والتضخم: ببساطة التضخميعني أن السيولة النقدية أكثر من السلع والخدمات في السوق، أي أن انخفاض الليرة بسبب وجود كمية كبيرة منها في أيدي الناس تفوق مرونة الاقتصاد الإنتاجية مما يولد فجوة تضخمية حيث يصبح الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي في الاقتصاد. من بداية 2021 زاد المعروض النقدي بحوالي 28% في المتوسط. وبذلك يتضح أن هناك زيادة كبيرة في العرض النقدي في الاقتصاد خلال فترة زمنية قصيرة. وبالنظر للرسم البياني نلاحظ بأن معدل التضخم في نهاية نوفمبر قد وصل إلى مستوى 19.9% على أساس سنوي. يعتبر معدل التضخم في تركيا من الأعلى عالمياًكما أنه لا يزال في اتجاه صعودي وهو بعيد جداً عن المعدل المستهدف من قبل البنك المركزي 5%. لذلك التضخم له تأثير سلبي على القوة الشرائية وبالتالي قيمة العملة. 

المصدر: تم الرسم البياني بالاعتماد على بيانات البنك المركزي وبيانات وزارة الخزانة والمالية.

  • معدل الفائدة: في أخر ثلاث جلسات للبنك المركزي تم تخفيض الفائدة 400 نقطة أساس؛ لينخفض معدل الفائدة من 19% إلى 15%. هذا التخفيض أدى لتسارع التدهور في قيمة الليرة خصوصاً بعد الجلسة الأخيرة للبنك المركزي وبالعودة للرسم البياني نجد أنه بمجرد تخفيض الفائدة يتجه سعر الصرف للتراجع أمام الدولار وبالتالي قيمة الليرة تتدهور أمام العملات الأجنبية. إلى جانب ذلك نلاحظ أن تخفيض الفائدة يؤدي لزيادة التضخم.
  • أسباب خارجية: يحدث التراجع أحياناً في قيمة العملة مقابل العملات الأجنبية بسبب ارتفاع قيمة تلك العملات. ارتفع مؤشر الدولار من 93.8% إلى حوالي 96.5% من بداية نوفمبر حتى اليوم. ونظراً لارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسية فإنه ارتفع أمام الليرة التركية أيضا.

أخيراً: يمكننا القول بأن هذه أبرز العوامل التي أدت للتدهور الحالي في قيمة الليرة. لذلك لا بد من أن تتجه الإدارة الاقتصادية للسيطرة على المعروض النقدي بالليرة في الأسواق مقابل تقليل الطلب التركي على العملات الأجنبية أي الدولار من أجل القدرة على إعادة استقرار سعر صرف الليرة، كذلك لا بد من تخفيض المخاطر الاقتصادية والسياسية الناتجة عن الوضع الجيوسياسي لتركيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى