مقالات

الآباء يموتون والأبناء لا ينسون

إيمان الشلبي – ناشطة وكاتبة سياسية

مقولة قيلت ولكن ليس بهذا السياق، لقد أعاد صياغتها أبناء فلسطين رداً على رئيس الوزراء الاسرائيلي دافيد بن غوريون “الكبار يموتون والصغار ينسون”، حتى جاء أبناء فلسطين لينسفوا هذه المقولة ويثبتوا للعالم أجمع أنَّ حبَّ فلسطين ترضعه الأم لطفلها بل تعطيه إياه وهو لايزال جنينا في بطنها.

 فكان يوم الأرض الذي يحييه الفلسطينيون في 30 اذار مارس من كل عام وتعود أحداثه لسنة 1976م ،بعدأن قام الاحتلال الصّهيوني بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطنية في الجليل والمثلث والنقب ،كما صادر الاحتلال  21 ألف دونم لتنفيذ مشروع أطلقت عليه “تطوير الجليل”، وكان عبارة عن تهويد كامل للمنطقة، فعمت المظاهرات والإضرابات والمسيرات كافّة فلسطين، حيث قدم الفلسطينيون 6 من الشهداء وعدد من الجرحى.

فثورة يوم الأرض كانت نقلةٌ نوعيةٌ للصراع على الأرض وعلاقة العرب مع الصهاينة، فكانت هذه المرةُ الأولى التي ينظم فيها العرب في فلسطين منذ عام 1948م احتجاجات منظمة رداً على السياسات الصهيونية بصفةٍ جماعية، وطنية، فلسطينية،  فجاءت هذه الأحداث لتغير مقولة رئيس وزراء الاحتلال، ويثبت الشعب الفلسطيني للعالم أجمع أنّهُ مهما جاءت أجيال بعد أجيال، لن تنسى فلسطين، وأنَّ أرضها ملكية إسلامية عربية فلسطينية، وأنَّ ما أُخذ بسيف القوة لا يرد إلا بسيف القوة.

 ومازال هذا يترجم على أرض فلسطين، فكانت أحداث سيف القدس صفعة جديدة للصّهاينة حين هبّ أهل أراضي 48 مناصرين إخوانهم في الشيخ جراح والقدس على العدوان والظلم الذي طالهم، حيث اعتقد الصّهاينة أن أهل 48 تم تدجينهم وأمنوا جانبهم، فكان الرد قاسياً لم يتوقعوه، وها هم الفلسطينيون مازالوا يحملون علمهم الوطني ويزرعون الزيتون ليثبتوا للعالم أنهم متجذّرون بأرضهم كأشجار الزيتون،  وأنّ حبَّ الوطن عقيدة راسخة في قلوبهم ومنذ ذلك التاريخ ما فتئ الفلسطينيون في الداخل والشتات والعرب ومعهم المتعاطفون من الدول الأخرى يحتفلون بذكرى يوم الأرض، لتجديد تشبثهم بأرضهم وبحق العودة وكان الهدف من إحياء ذكرى يوم الأرض، التأكيد على استمرار مسيرة فلسطين في مقاومة الاحتلال، التأكيد على إصرار الفلسطينين  لنيل حقوقهم المتمثلة بالعودة والحرية، والتأكيد على تمسك وصمود الفلسطيني بأرضه.

 وفي ذكرى يوم الأرض نثبت لدافيد بن غوريون والصّهاينة أننا لن ننسى أرضنا ولن نتنازل عن شبر منها، وأن كفاح الشعب الفلسطيني ثوراته التي لا تنطفئ فهي متأصلة كجذور الزيتون وكأمواج البحر موجة تلد أخرى حتى يبلغ المد الشاطئ ،واستشهاديون يتوارثون العهد، نقول وبكل فخر أن شعبنا أثبت أن مقولة ابن غوريون كانت أقرب إلى الخيال من الحقيقة   ،لأنّ الحقيقة أننا ولدنا بالفطرة على حب أرضنا والتمسك بها، وصحيح أنّ الكبار يموتون فهذه سنة الحياة ولكن غاب عن أذهان الصهاينة أنّ هؤلاء الكبار أخذوا على أنفسهم عهدا ووعدا، بأن يؤدوا  الأمانة على أكمل وجه، وأن يزرعوا فلسطين في قلوب وعيون أبنائهم وأحفادهم، فلا ينسوا أبدا أن أرض فلسطين ليست أرضا للبيع والتنازل والنسيان، لأنهم قد آمنوا بأنهم يحملون أمانة ثقيلة أبت الجبال حملها فحفظوا فلسطين في العقول والقلوب، وأصروا على غرس جغرافيتها في الأجيال حتى أصبحت ورثا يتوارثوه جيلاً عن جيل، كما عرفوا أن حبَّ فلسطين أقدس الأوطان يعادل الروح وإن حبَّ الأرض والحفاظ عليها تمنحك الحياة الكريمة.

وقد علمتنا الغربة المرَّة، بأنّ من لا وطن له كالميت وإن كان يمشي على رجليه، وها هم الأبناء والأحفاد حفظوا الوصيّة رغم أنف بن غوريون، وترجموها على أرض الواقع حين أمسك أطفال فلسطين الحجارة ففاجؤوا العدو  في انتفاضة الحجارة، فأعادوا كتابة التاريخ بحجارتهم وأثبتوا للغزاة الصهاينة أنّهم أبناء وأحفاد وأجداد جبلوا على الوفاء وحب فلسطين وأسقطوا مقولة ابن غوريون، فالكبار يموتون والصغار لا ينسون بل يستمرون، وموعدنا  يوم التحرير إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى