مقالات

فوز أردوغان وتداعياته على القدس وفلسطين

ماجد الزبدة

سعادة غامرة ملأت قلوب الجماهير الفلسطينية بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، بعد حصوله في الجولة الثانية على نسبة جاوزت 52% من أصوات المقترعين الأتراك مقارنة بمنافسه كمال كليتشدار أوغلو الذي حاز على 48% من الأصوات، في نتيجة أسدلت الستار عن المعركة الانتخابية، وأبهجت معها أفئدة ملايين العرب والمسلمين الذين رأوا في شخصية أردوغان الزعيم المسلم الذي لطالما تحدى الظلم والجبروت ضد المضطهدين والمستضعفين من المسلمين.

وبالرغم من أن الانتخابات التركية هي شأن داخلي بحت، إلا أن تداعيات نتائجها، وتأثيرات فوز أردوغان، تطال بكل تأكيد العديد من القضايا الإقليمية والدولية التي تمس قضايا العرب والمسلمين، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وفي القلب منها تحديدًا قضية القدس بوصفها القضية المركزية في الصراع مع الاحتلال.

لا شك أن الرئيس التركي يواجه في المرحلة المقبلة تحديات كبيرة على الصعيد التركي الداخلي، ولا سيما قضية اللاجئين السوريين، والتحديات الاقتصادية، في ظل ارتفاع معدل التضخم، ووصوله إلى نحو 44%، وتداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا مطلع فبراير الماضي، وأسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف مواطن، وأحدث دمارًا واسعًا في عدد من الولايات في الجنوب الشرقي للأراضي التركية، وعلى الصعيد الخارجي يواجه أردوغان تحديات وازنة ربما تكون من أبرزها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا دون أن تلوح في الأفق أي حلول سياسية لإنهاء هذه الحرب المتصاعدة.

ربما ما يهمنا كفلسطينيين هو مقدار الاهتمام الكبير للرئيس أردوغان بقضية القدس وفلسطين مقارنة بمنافسه الخاسر كليتشدار أوغلو، فلطالما أعرب الرئيس أردوغان عن دعمه للقدس، ورفضه لأي تغيير للأوضاع التاريخية في المدينة المقدسة، وكثيرًا ما أدان وبشدة محاولات الاحتلال تهويد المدينة المقدسة، وأعلن مرارًا رفضه وإدانته للجرائم الإسرائيلية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.

كما أن مواقف الرئيس أردوغان تجاه العدوان على غزة تلقى ترحيبًا من الفلسطينيين الذين يشعرون بأن دعم الرئيس أردوغان للقضية الفلسطينية هو ثابت من الثوابت السياسية التي يفخر بها الرئيس التركي.

ولا يستطيع الشارع الفلسطيني التغافل عن الدعم الإنساني الذي قدمته تركيا -وما تزال- للشعب الفلسطيني في عهد الرئيس أردوغان، ولا سيما احتضان أبناء الشعب الفلسطيني فوق أراضيها دون ملاحقة أو تضييق، في الوقت الذي يعاني الفلسطينيون من أنصار المقاومة من ملاحقات أمنية وسياسية في كثير من الدول العربية من المحيط إلى الخليج.

ترحيب المقاومة الفلسطينية بفوز أردوغان، التي عبّر عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في برقية تهنئة أشاد بها بالموقف الحضاري للرئيس أردوغان والشعب التركي في دعم القضية الفلسطينية ونصرة الفلسطينيين، إنما تشير إلى ارتياح قيادة المقاومة لهذا الفوز الجديد للرئيس أردوغان، وأملها بتعزيز العلاقة المستقبلية لمصلحة القضية الفلسطينية.

وبالرغم من رفضنا كفلسطينيين لبعض المواقف السياسية للرئيس أردوغان ولا سيما استعادة العلاقات مع كيان الاحتلال، التي نرى أنها تشجع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة على اتخاذ المزيد من المواقف التي ترفضها تركيا، وفي مقدمتها جريمة استباحة المسجد الأقصى، وتصاعد محاولات تهويد القدس، والتضييق على المقدسيين، فإننا نأمل أن تُقوَّم بوصلة العلاقات التركية مع الاحتلال، فحكومة نتنياهو ماضية في محاولات إِشعال حرب دينية في القدس، وهي عازمة على هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل يهودي مكانه، في سياسة معلنة، وتتعارض تعارضًا واضحًا مع المواقف التركية تجاه الصراع والقضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى فإننا نتوقع أن يستمر الرئيس أردوغان في سياسة إخماد المشكلات السياسية، ونسج العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية ولا سيما مصر الشقيقة، ونرى في التقارب التركي المصري المتوقع مصلحة مباشرة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فالمُستفيد الوحيد من استمرار الخلافات السياسية في المنطقة هو الاحتلال، لذا فإننا ندعم أي خطوات من شأنها أن تمهد لمزيد من جسور التواصل بين الدول العربية والإسلامية على حد سواء.

ربما في ظل تعقيدات الواقع السياسي في المنطقة لا نستطيع رفع سقف توقعاتنا تجاه إقدام أردوغان على اتخاذ خطوات داعمة للمقاومة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، لكننا من جهة أخرى نرى بأن فوز أردوغان صاحبه ارتياح واسع في الشارع الفلسطيني، وبهجة غمرت قلوب المستضعفين من أبناء شعبنا اللاجئين، وأهلنا في مدينة القدس الذين هم في أمس الحاجة إلى من يدعم قضيتهم، ويقف لنصرتهم، ويُعلي صوتهم في المحافل الدولية كما يفعل في كل مرة الرئيس التركي الفائز رجب طيب أردوغان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى